نوع من تفويض السّلطة الإلهية. ولنأخذ أوّلا المسئولية الّتي توجدها مبادرتنا الفردية ، فلا ريب أنّ الإسلام يحلّها مكانا فسيحا ، ويدمجها في مجالات كثيرة بالمسئولية الّتي أقرتها قواعد الشّرع المنزل. ومثال ذلك أنّ المحسن الّذي يوقع بإمضائه طوعا ، وبمحض إختياره ـ لا يمكن شرعا أن يسحب توقيعه. والشّخص الثّالث الّذي يضمن دينا على سبيل المروءة يصبح مدينا بدوره. والتّقي الّذي يعزم على أداء نافلة ، وهو يشهد الله على إقراره ـ يصبح منذئذ أمام تكليف ملزم. وفي كلمة واحدة ، أيما امرىء يعطي كلمة لإنسان بعمل مشروع ، حتّى لو كان لقاء ، يصبح بموجب كلمته مسئولا مسئولية صارمة ، وذلك هو قول الحقّ سبحانه : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١). ويقول رسول الله صلىاللهعليهوآله : «آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان» (٢). وهو درس يجد أصله في القرآن في قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٣)
ومن البيّن في الأمثلة السّابقة أنّ الإنسان هو الّذي يجعل نفسه مسئولا بتدخل
__________________
(١) الإسراء : ٣٤.
(٢) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٢١ ح ٣٣ و : ٢ / ٨٦٨ ح ٣٢٢٧ وص : ٩٥٢ ح ٢٥٣٦ و : ٣ / ١٠١٠ ح ٢٥٩٨ ، سنن التّرمذي : ٥ / ١٩ ح ٢٦٣١ ، مجمع الفائدة : ١٢ / ٢٧٤ ، صحيح مسلم : ١ / ٧٨ ح ٥٩ ، الكافي : ٢ / ٢٢٣ ح ٨ ، مسند أبي عوانه : ١ / ٣٠ ح ٤٣ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ٢ / ٤٨ ، صيانية صحيح مسلم : ١ / ٢٣٢ ، سنن التّرمذي : ٥ / ١٩ ح ٢٦٣١ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢٦١ ح ٨٢١ ، الخصال : ١٢١ ح ١١٣ ، مجمع الزّوائد : ١ / ١٠٧ ، سنن البيهقي الكبرى : ٦ / ٨٥ ح ١١٢٤٠ ، تحف العقول : ٢١ ، بحار الأنوار : ٧٢ / ٢٠٥ ح ٦.
(٣) التّوبة : ٧٥ ـ ٧٧.