إرادي ، لو لم يكن لبقي حرّا ، أن يفعل ، أو لا يفعل ، والمسئولية الّتي يتحملها حينئذ ، أمام الله ـ كما رأينا ـ ليست بأقل من المسئولية الّتي تقع على كاهله ، أن يقوم بالواجبات الجوهرية.
ومع ذلك ، فمن المستحيل أن نقرر مبدأ (الإلزام الذاتي) هذا ـ دون قيد ، أو تحفظ ، فلكي تكون وعودنا ورغباتنا صحيحة ، قادرة على أن تحدد مسئوليتنا ـ يجب على الأقل أن يكون موضوع تحقيقها نوعا من الخير الّذي سبق إقراره شرعا. ولذلك يقول الرّسول على سبيل الشّرط فيما روته عائشة : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» (١).
وكذلك الحال بالنسبة إلى مسئوليتنا عن تكاليفنا الّتي نتحملها تجاه الآخرين ، مستقلة عن إرادتنا الفردية. ومثال ذلك أنّه لا أحد ينازع حقّ الوالدين المقدس في إحترام أولادهم وخضوعهم لهم ، والله يقول : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (٢).
بيد أنّ هذا الحقّ ـ على ما جاء في القرآن ـ لا يخولهما سوى سلطة محدودة ومشروطة ، ذلك أنّ هذه السّلطة لا تتوقف فقط عند ما يطلبان منا أن نخون
__________________
(١) انظر ، البخاري : ٦ / ٢٤٦٣ ح ٦٣١٨ وص : ٢٤٦٤ ح ٦٣٢٢ ، السّرائر لابن إدريس : ٣ / ٦٦ ، تفسير القرطبي : ١٢ / ٥٠ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٥٥ ، المعتبر للعلّامة الحلي : ٢ / ٧١٢ ، مسند أبي عوانة : ٤ / ١٣ ح ٥٨٥٢ ، سنن التّرمذي : ٤ / ١٠٤ ح ١٥٢٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٢٣١ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٢٤١ ح ٢٣٣٨ ، مسند الشّافعي : ١ / ٣٣٩ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢٣٢ ح ٣٢٨٩ ، وقد صدر البخاري الباب بقوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ، البقرة : ٢٧٠.
(٢) الإسراء : ٢٣ ـ ٢٤.