الإيمان ، أو نرتكب ظلما أيا كان : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) (١).
بل إنّ الوضع ينقلب عند ما يرتكبان ظلما ، وحينئذ يجب على الأولاد دعوتهما إلى الواجب ، وبوسعهم أيضا أن يوقفوهما أمام القضاء. ألا ما أعظم ما يشعر به المسلم نحو أبويه من إحترام ، وما أعمق ما يكنه لهما من حبّ ، لا سيما (٢) إذا كانوا على دين واحد ، ولكن حبّه للحقّ ، وإحترامه للعدالة يجب أن يرجح عنده. وعلى حين يحرم قانون نابليون على الابن أن يشهد ضد أبيه ، وأمّه في قضية مدنية ، أو جنائية (٣) ، نجد أنّ القرآن يقول بعكس ذلك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٤). وعلينا كذلك أن نطيع ولاة أمورنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) ، ولكن بشرط أن يكون ما يصدرون من الأمر مشروعا ، فإذا كانت هذه المشروعية موضع نزاع وجب أن نحتكم في خلافنا إلى كتاب الله ،
__________________
(١) العنكبوت : ٨.
(٢) قلنا (لا سيما). ولم نقل (وبخاصة) ، والواقع أنّ القرآن يعلمنا أنّ اختلاف الرّأي الدّيني لا يعفي الأولاد مطلقا من أن يسلكوا مع أبويهم بعدل ، وإحترام ومودة ، وفي آية لقمان : ١٥ ، قال تعالى : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ،) ولم يرد القرآن بذلك أن يجعل من هذا الواجب الإنساني إمتيازا مقصورا على الأبوين ، فهو يعلمنا بعكس ذلك أنّ النّاس جميعا ، بقطع النّظر عن عقائدهم ، يجب أن يتمتعوا بعدالتّنا وبرنا قال تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ـ الممتحنة : ٨.
(٣) انظر ، ١ ـ Code Napoleon ,livre I ,Tur ١٢.
(٤) النّساء : ١٣٥.
(٥) النّساء : ٥٩ ، وقد تقدم المراد بولاة الأمر.