ولنفترض الآن أنّ هذه الأوامر على تنوعها متوافقة ، وأنّ الواجب الّذي نفرضه نحن ، أو تفرضه سلطة إنسانية ، مطابق للقاعدة القرآنية ـ حينئذ سوف تتعلق حالتنا بالمجالات الثّلاثة للمسئولية : أي أننا سنكون مسئولين أخلاقيا ، وإجتماعيا ، ودينيا. فهل معنى ذلك أنّ هذه الدّرجات الثّلاثة في الحكم تندمج معا ، أو تتوافق تماما؟ .. كلا ، فكلّ نوع من المسئولية سوف يحتفظ دائما بصفاته وشروطه الخاصة. ولن يكون تمايزها فقط من حيث إنّ المسئولية الأخلاقية تمارس على الفور ، وبطريقة ثابتة ، على حين أنّ المسئولية الإجتماعية لا تقوم بوظيفتها إلّا خلال آجال تتفاوت طولا ، وقصرا ، والمسئولية الدّينية لا تظهر واضحة إلّا يوم الدّين ، كذلك لن يكون هذا الّتمايز فقط من حيث إنّ الجزاء الأخلاقي يتم بخاصة داخلنا ، والجزاء الإجتماعي يلمس مباشرة أجسامنا ، وأموالنا ، وحقوقنا المدنية ، وهو لا يؤثر في شخصنا إلّا بواسطة هذه الأحداث الخارجية ، على حين أنّ الجزاء الإلهي يلمس النّفس ، والجسم معا ، بعقوبة رهيبة ، أو بجزاء حسن في حياة خالدة .. ليس هذا كلّه فحسب ، ولكن ما هو أكثر من ذلك ، أنّ الشّروط الّتي تستقر فيها من ـ ناحية ـ مسئوليتنا الأخلاقية والدّينية ، ومن ناحية أخرى ـ مسئوليتنا الإجتماعية ، ليس لها نفس الأمتداد في التّشريع الإسلامي.
ونبدأ ببحث شروط المسئولية الأخلاقية ، والدّينية الّتي استفاضت بها نصوص القرآن ، بيد أننا ينبغي أن نؤكد أوّلا على طابع الشّمول في مبدأ المسئولية ، الّذي بسطه الكتاب على جميع المخلوقات العاقلة ، دون تفرقة بين عقل إنساني ، وعقل فوق ـ إنساني ، بل دون أدنى تفرقة بين عامة النّاس ،