والصّالحين منهم ، ولنستمع إلى قوله الله تبارك وتعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (١) ، وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) ، وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، ولا ريب أنّ المقصود في هذه النّصوص هو المسئولية أمام الله ، في يوم الفصل الأخير.
ولكن لننظر في الآيات الآتية المكان الّذي خصّ به القرآن المسئولية الأخلاقية ، وكيف أنّه ، حتّى في هذه اللحظة الحاسمة ، يقدم محكمة الضّمير ، كيما يعد الحكم الأعلى ، ويسوغه ، يقول الله سبحانه : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٤) ، ويقول : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (٥) ، وقال تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٦). هذه الشّمولية من ناحية الفرد تتضاعف من ناحية أخرى ، ناحية الموضوع ، ففي تلك اللحظة ، سوف تحضر جميع الأعمال الّتي حدثت ، في الحياة الدّنيا ، في أذهان أصحابها : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً* وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا
__________________
(١) مريم : ٩٣.
(٢) الحجر : ٩٢ ـ ٩٣.
(٣) الأعراف : ٦.
(٤) الإسراء : ١٤ ـ ١٥.
(٥) التّكوير : ١٤.
(٦) الإنفطار : ٥.