الّتي تجبّ خطأ معينا ، إذ لما كنّا لا نتصرف في نظام الموازين ، والمقاييس الّذي سيزن الله سبحانه به القلوب ، فنحن عاجزون عن أن نحكم على النّاس بنفس الطّريقة الّتي سوف يحكم الله بها عليهم ، عجزنا عن أن نحكم على أنفسنا بأنفسنا : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (١).
بيد أنّ جهلنا بالتفاصيل لا يمتد إلى المبدأ الّذي يجعل من السّلوك الفردي الأساس الوحيد للتقدير الأخلاقي وما يتبعه من أنواع الجزاء : فالله سبحانه يقول : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٢).
ولا يقولن أحد : إننا بهذه الطّريقة ننظم الكرم العلوي على نحو صارم ، فلسنا نحن ، ولكن القرآن الّذي يقول ذلك ، حين يفرق في الحقيقة بين نوعين من الفضل ، أحدهما عام ، والآخر محدود. وحين يتحدث القرآن عن النّوع الأوّل يستعمل الفعل في الماضي : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٣) ، وهو يقدمها واقعا ضم جميع الأشياء في الدّنيا ، ولذا فإن النّاس جميعا يتمتعون بها بنفس القدر ، الطّيبون منهم ، والأشرار. هذا الفضل العام يتبع نظام الوجود ، وهو شرط في المسئولية ، وبمقتضاه يملك كلّ إنسان ، من النّاحيتين الأخلاقية ، والمادية ،
__________________
ـ ١ / ٣٢٥ ، الجرح والتّعديل : ٩ / ٣٧٥ ح ١٧٣٧ ، بحار الأنوار : ٧٠ / ١٩٩ ، مجمع الزّوائد : ١ / ٥٢ و : ٤ / ١٧٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ٢٤٩ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٧٧ ح ٧٧١٣ و ٨٧٠٧ ، شعب الإيمان : ٥ / ٢٨١ ح ٦٦٦٠ ، فتح الباري : ١٠ / ٤٨٣ ، الدّيباج : ٥ / ٥٠٨ ح ٢٥٦٤ ، وفي بعض المصادر : (وأشار إلى صدره ثلاث مرات).
(١) النّجم : ٣٢.
(٢) النّجم : ٣٩.
(٣) الأعراف : ١٥٦.