وهكذا نجد أنّ الحكم يصدر دائما تبعا لفضائل المحكوم عليه ، لا على أساس التّوسلات. ومهما بذلنا من جهود مضاعفة ، ودعوات ورجوات من أجل من نحبهم ، أو نعطف عليهم ، فلا يعدو ذلك أن يكون لفتة جميلة ، وهو واجب علينا ، ولكن ليس هذا هو الّذي سينقذهم. فإذا ما بلغت جهودنا غايتها ، واستجيبت دعواتنا ، فذلك لأنّهم يستحقون رضا الله ، تبعا لشرائعه ، ولم تكن دعواتنا سوى فرصة تتجلى فيها الإرادة المقدسة ، الّتي كانت حتّى ذلك الحين محتجبة.
ولسنا نجد في أي مكان في القرآن الكريم ثوابا مستعارا ، أو زينة مزيفة ، أو عنوانا على فراغ جواني ، فليس ثوابا إلّا ما كان ثمرة ناضجة لموقفنا المتعاطف تجاه شرع الله.
ومع ذلك فلا ننسى أنّ هذا الموقف قائم على الكيف ، أكثر منه على الكم ، فالله يقول : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (١) ، ولما كانت هذه القيمة الكيفية متعلقة بألف شرط ، فإنّ العمل الجواني بخاصة هو الّذي يصل إلى أعلى درجاتها ، ولذلك قال الرّسول : «التّقوى ههنا» ، وهو يشير بإصبعه إلى قلبه (٢) ، ومن أجل هذا لا نملك القول مسبقا بأنّ عملا معينا ستكون له هذه الميزة
__________________
ـ العقاب ، ورجاء للثواب. (نهج البلاغة تحقيق الدّكتور صبحي الصّالح : ١٤٣).
ويقول عليهالسلام : أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق ، ومضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان [أبو الهيثم مالك بن التّيّهان]؟ وأين ذو الشّهادتين [خزيمة بن ثابت الأنصاري]؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم ... الّذين تلوا القرآن فأحكموه؟ وتدبّروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السّنّة ، وأماتوا البدعة ، ودعوا إلى الجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه. (المصدر السّابق : ٢٦٤).
(١) المائدة : ١٠٠.
(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٤ / ١٩٨٦ ح ٢٥٦٤ ، مكارم الأخلاق للطبرسي : ٤٦٩ ، جامع العلوم والحكم : ـ