الإنسان من قبل بوسائل العمل ، الضّرورية لأدائه.
والحقّ أنّ القدريين ـ حين أرادوا أن ينقذوا مبدأ وحدانية الخالق ـ لم يصلوا إلى حدّ إنكار الشّريعة الأخلاقية ، أو أن يعزوا إلى من وضع هذه الشّريعة بعض الظّلم. ولكنهم كانوا يتصورون هذه الشّريعة الآمرة على أنّها رمز لقانون وصفي محض ، ويتصورون الجزاء على أنّه الأثر الطّبيعي النّاشىء عن نظام الأشياء.
أمّا الأحرار الحريصون على الدّفاع عن العدالة الإلهية ـ فإنّهم ـ على العكس ـ لم يريدوا أن يرفعوا الإنسان إلى مرتبة الله ، ولكن كان عليهم أن يقولوا بنوع من الإستثناء في فعل الخالق. ومن قبل قيد المنطق مدى هذه القضية : «كلّ ما يوجد مخلوق لله» ، علما بأنّ الله موجودا ، ولا يمكن أن يكون مخلوقا لنفسه. فلما ذا لم يحدث منطق التّجربة ـ هو أيضا ـ قيدا آخر بإستثناء الأفعال الإنسانية؟ .. فإذا ما دفعنا هذين التّعليلين إلى أقصى مدى إنتهينا ـ بعكس ما هو مشاهد ـ إمّا إلى إلغاء الإرادة الإنسانية ، ومعها واقع الواجب ، وإمّا إلى تحديد بحال فعل الإرادة الإلهية تحديدا كبيرا.
وقد حاولت مدارس أهل السّنّة ـ فيما بعد ـ وبفضل مبدأ الإشتراك ، الّذي قالوا به ، أنّ توفيق بين هذين المفهومين المتعارضين ، فلا الإرادة الإنسانية ، ولا الإرادة الإلهية ، كلتاهما لا يمكن أن تتوقف في الأعمال الإنسانية الموصوفة بأنّها إرادية. إنّ الإرادتين تعملان في وقت واحد ، وتشتركان في إنتاج أفعالنا ، ولكن بطريقة مختلفة ، ففعل الله فعل خالق ، على حين أنّ الإنسان وهو يسخر قواه ، ويحشدها لا يفعل أكثر من أنّه يتفتح للفعل الإلهي ، حتّى يتلقى منه العمل كاملا.