لقد دارت المناقشة في النّظريات الّتي ترفض كلّ ما عداها ـ كما نرى ـ حول الأعمال الظّاهرة. وقد كان السّؤال هو أن نعرف من هو خالق حركاتنا الخارجية ، الّتي تسمى : الإرادية؟ ..
ـ «إنّه نحن» ـ كما أكده بعضهم ، دون تدخل من الله.
ـ «إنّه الله» ـ كما قال آخرون ، دون مشاركة منا.
وكانت المدرسة الثّالثة تعتقد أنّها تمسك بطرفي السّلسلة ، حين تقول : (إنّه الله ، مع تدخل إرادتنا) بيد أنّ القائلين بهذا الحكم لم يلبثوا أن ميزوا الجانب الحقيقي في المشكلة ، ووضعوه في المصطلحات الّتي تناسبه. فقد لاحظوا أنّ ممارسة الإرادة هو نفسه ـ حدث يقتضي بيانا ، فتساءلوا على الفور : من ذا الّذي يوجه ويدبر إرادتنا؟ .. ولكي يجيبوا عن السّؤال بهذه الصّورة انقسموا إلى طائفتين :
القائلين بسبق القضاء ، وهم تلاميذ أبي الحسن الأشعري (المتوفّى في بغداد عام ٣٢٤ ه) ، وخصومهم تلاميذ أبي منصور الماتريدي من بخارى (توفّي عام ٣٠٣ ه في سمرقند).
وهكذا عادت النّظريات الجديدة إلى نفس الموقف المضاد الّذي تجادل حوله سابقوهم ، بعد أن نقلوه إلى مجال الفعل الجواني فقط ، وهنا أيضا لم تقصر البراهين القرآنية من جانب وآخر. فعلى حين نجد القرآن في بعض المواضع ينسب إلى الإنسان القدرة على نفسه ، ليتغير إلى شرّ ، أو إلى خيرّ ، نجد أننا إذا أخذنا بعض المواضع بحروفها فإنّها تقر أن إرادتنا تشبه تماما قلبنا ، وذكاءنا ،