فهذه كلّها ليست سوى أدوات بين يدي الله ، نوعا من اللجام الّذي يقودنا به كما يشاء ، واقرأ في هذا قوله تعالى : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (١) ، وقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (٢) ، وقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٣) ، وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (٤).
ولا ريب أننا نستطيع أن نحاول تركيبا في هذا المجال الجديد ، والقرآن نفسه يقدم لنا مبدأ هذا التّركيب ، حين يعلن : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٥). فهو إذن حين يقرر أنّ الله هو الّذي يحكم إرادتنا لا ينجم عن ذلك إبراء ساحتنا ، لأنّ الله لا يفعل ذلك ابتداء مطلقا ، وإنّما هو يجريه كنوع من الإجراء المقابل ، أي كرد على بعض الأشياء من جانبنا. وإذن ، فسواء شعر قلبنا بالفرح ، أو بالأنقباض لمعرفة الحقيقة ، أو لممارسة الفضيلة ، وسواء ضل عقلنا أو اهتدى ، توجهت أحكامنا نحو الخير ، أو نحو الشّر ـ فإننا حين نقرر أنّ جميع هذه الآثار تحدث فينا بوساطة قوة عليا ، وفوق الطّبيعة ، نجد أنّ سوابقها تصدر عن إرادتنا. فنحن الذين بدأنا ، بأن انفتحنا على النّور ، أو بأن تحولنا عنه : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٦). نحن الذين بدأنا بأن
__________________
(١) الأنعام : ١٠٨.
(٢) الأنعام : ١٢٥.
(٣) الإنسان : ٣٠.
(٤) الأنفال : ٢٤.
(٥) الرّعد : ١١.
(٦) الزّخرف : ٣٦.