مُعْرِضُونَ) (١).
وموجز القول ، أنّ الله لا يضل إلّا الأشرار ، (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢) ، ولا يهدي غير من يرجع إليه : (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (٣).
والتّحفظ الثّاني : أنّه في كلّ هذه الظّروف الإيجابية والسّلبية لم يقل : إنّ الإرادة الإلهية تؤثر مباشرة على فعلنا الأخلاقي ، وإنّها تقيد الإرادة الإنسانية ، أو تحل محلها ، ذلك أنّ المنح الإيجابية لفضل الله تحتوي ـ بداهة ـ من المساندة قدرا يحفظ جهدنا. إنّها الأجنحة الّتي تساعد أنفسنا على التّحليق. ذلك أنّ الله عزوجل ييسر لعباده المختارين المهمة تيسيرا واضحا ، حين يريهم الأمور على ما هي عليه ، وحين يحبب إلى قلوبهم الحقيقة ، والفضيلة ، ولكنه لا يؤدي المهمة بالنيابة عنهم ، لأنّ الكلمة الأخيرة ، المنوطة بإرادتهم لم تصدر بعد.
وكذلك الحال حين يذر الله الظّالمين يتخبطون في الظّلماء ، وهم في قبضة بعض الصّعوبات ، وذلك ليبحثوا عن المخرج منها بمجهوداتهم الخاصة ، ولم يقل أحد : إنّ الله يقهر إرادتهم بالضرورة على أن تختار الجانب الأسهل.
والمسألة الّتي يبقى علينا أن نعرفها ، والّتي تفرقت المدارس الإسلامية بصددها بطريقة واضحة هي : عند ما يطلب الله منا أن نستخدم قدرتنا على الأختيار ، بعد أن يكون قد وضع رهن تصرفنا هذه الموارد العامة ، والخاصة هل يتخلى الله عنا تماما؟ ألا يتدخل لمصلحة أي جانب؟ أو أنّه يدخل هنا ـ دون علم
__________________
(١) الأنفال : ٢٣.
(٢) البقرة : ٢٦.
(٣) الشّورى : ١٣.