أقطع له قطعة من النّار» (١).
وأخيرا ، فإنّ نوعي المسئولية (العقابية ، والأخلاقية) يختلفان كذلك ، بصورة أوضح في آثارهما ، أكثر مما يختلفان في نقطة إنطلاقهما. وإذا كان الشّر يكمن أساسا في مبدأ الإرادة ، فمن البدهي أنّ المذنب ينبغي أن تبرأ ساحته بمجرد تغييره لموقفه من القانون ، ولسوف يكون بالفعل بريئا في نظر الحكم الأعظم. ولقد أفاض القرآن وعودا جميلة لأولئك الذين يرجعون عن ذنوبهم ، فهل الأمر كذلك بالنسبة إلى الحدود الّتي تفرض في الحياة الدّنيا؟ هل تكفي التّوبة ، والنّدم ، والعدول عن الذنب لتخليص المذنب من العقوبة الّتي كان يجب أن يتعرض لها؟.
لقد واجه القرآن بالنسبة إلى حالة واحدة هذا السّؤال ، وأجاب عنه بالإيجاب ، وتلك هي حالة الّتمرد على العدالة بالقوة السّافرة (الحرابة) ، فتبعا لخطورة الحالة ـ وقد ترك القرآن للقاضي ، أو المشرع أمر تقديرها ـ يستحق المحاربون حدّ الموت ، أو تقطيع الأعضاء ، أو النّفي : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢). ولكن يجب أن نلاحظ أنّ هذه هي الحالة الوحيدة في الشّريعة الإسلامية ، برغم النّقاش الّذي أثاره هذا النّص بين
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٣ / ٢٣٥ ، سنن الدّارقطني : ٤ / ٢٣٩ ح ١٢٦ و ١٢٧ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٠٧ ، السّنن الكبرى : ١٠ / ١٤٣ و ١٤٩ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٢٧٧ ح ٢٣١٧ ، سنن أبي داود : ٣ / ٣٠١ ح ٣٥٨٣ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٦٢٤ ح ١٣٣٩ ، سنن النسائي : ٨ / ٢٣٣ ، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام : (قال كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يحكم بين الناس بالبينات والأيمان في الدّعاوى فكثرت المطالبات والمظالم فقال : أيّها الناس إنّما أنا بشر ...) ، كما جاء في كتاب وسائل الشّيعة : ١٨ / ١٦٩ ، والكتب الفقهية والحديثية.
(٢) المائدة : ٣٣ ـ ٣٤.