دون أن تتجاوزها بالضرورة إلى المجال الإجتماعي (١).
والواقع أنّ السّنة تقدم لنا حالات زنا ، يتقدم المذنبون فيها ليقروا تلقائيا بجريمتهم ، وليطلبوا بإلحاح تطبيق العقوبة عليهم ، وعليه فإنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم مع علمه بعظمة هذه اللّمحة منهم ، وروعة القيمة في توبتهم ـ لم يتردد في أن يوقع عليهم الجزاء المنصوص عليه في الشّرع ، وكذلك الحال في كل أعتداء يرتكب ضد شخص الغير ، أو ماله ، أو عرضه ، ثم يتوب المعتدي قبل أن يعاقب.
فالموقف الدّاخلي الّذي كان يعتمد عليه في تجريم الفعل لا قيمة له إذن حين يكون المطلوب إيقاف الآثار السّيئة الّتي حدثت من قبل ، إذ تتدخل هنا بالذات إعتبارات مختلفة ، فوق الإعتبارات الشّخصية [extraـpersonnelles] هي الّتي تفرض الجزاء ، أمّا النّدم ، والتّوبة ، والإرادة الطّيبة الّتي عادت مرة أخرى ، فربما تكفي لتحسين حال المذنب ، وتأكيد إحترامه للقانون ، ولكنها لا تكفي لتهدئة المشاعر الأليمة الّتي آثارها المذنب لدى الأشخاص الذين إنتهك حقهم المقدس
__________________
(١) نصّ هذا الموضوع كما جاء في المحلى لابن حزم : ١١ / ١٥٢ ـ ١٥٨ ـ بتصحيح من خليل الهراس : «قال أبو محمّد : قال قوم : إنّ الحدود كلّها تسقط بالتوبة ، وهذه رواية رواها أبو عبد الرّحمن الأشعري عن الشّافعي ، قالها بالعراق ، ورجع عنها بمصر ... ثم نظرنا أيضا في إحتجاجهم على هؤلاء المذكورين بأنّهم قد أجمعوا على أنّ التّوبة تسقط عذاب الآخرة ، وهذا العذاب الأكبر ، فأحرى وأوجب أن تسقط العذاب الأقل ، الّذي هو الحد في الدّنيا ... وعذاب الآخرة غير عذاب الدّنيا ، وليس إذا سقط أحدهما وجب أن يسقط الآخر ، إذ لم يوجب ذلك نصّ قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وكثير من المعاصي ليس فيها في الدّنيا حدّ ، كالغصب ، ومن قال لآخر : يا كافر ، وكأكل لحم الخنزير ، وعقوق الوالدّين ، وغير ذلك ، وليس ذلك بموجب أن يكون فيها في الآخرة عقاب ، بل فيها أعظم العقاب في الآخرة ، فصح أنّ أحكام الدّنيا غير متعلقة بأحكام الآخرة». وبذلك نرى أنّ المؤلف لخص وجهة نظر الفقه الظّاهري في المشكلة ، كما زاد كلام ابن حزم تفسيرا. «المعرب».