صاحبها تدخلا إراديا معينا فيما يسبب من ضرر .. ولا فرق حتّى الآن بين شروط المسئولية الأصلاحية المدنية ، وشروط المسئولية الجزائية العقابية ، فالحادثة الّتي تقع بواسطتنا ، ولكن مستقلة عن إرادتنا ، وبموجب قوة قاهرة (في مثل ما قد يحدث من تصادم سفينتين بسبب الرّيح ، أو سقوط لاعب حتمه إنقطاع الحبل الّذي كان يمسك به مع رفيقه) ـ مثل هذه الحادثة لا يمكن أن تنشىء ضدنا أي إجراء تأديبي ، أو تعويضي ، وحدث من هذا النّوع يصبح هدرا (١).
وهكذا نجد أنّ الخلط الّذي أشار إليه فوكونيه [Fauconnet] في الشّرائع الإغريقية ، والرّومانية ، والعبرية .. إلخ. بين الحالة العارضة ، وحالة الخطأ بحسن نية ـ هذا الخلط لا موضع له في الشّريعة الإسلامية ، بل الأمر ، على ما ذكرنا آنفا. هو أنّ العمل الإرادي ، ليس من الضّروري أن يكون مقصودا. وإذن ، فعلى حين تفترض المسئولية العقابية النّيّة المضادة للقانون ، تماما كالمسئولية الأخلاقية ، نجد أنّ المسئولية المدنية ، سوف تكتفي بمجرد وجود الإرادة. وهنا يمكن أحد الفروق الرّئيسية بين هذه المجالات المختلفة ، فإذا كان الضّرر النّاتج عن الخطأ ، أو الغفلة ، أو عدم الحذق ـ لا يحتم أن يعزر صاحبه ، فإنّه يخضعه في مقابل ذلك لتكليف مالي لمصلحة الضّحية.
وقد وضع القرآن التّشريع الأساسي للقتل النّاشىء عن الخطأ ، فقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) (٢). وقد مثلت السّنة بهذا كلّ ضرر يرتكب
__________________
(١) انظر ، المجموع للأمير : ٢ / ٣٥٨.
(٢) النّساء : ٩٢.