أمّا مذهب الظّاهرية ، فيرى أنّ المسئولية الّتي تقع على عاتق الإنسان في حالة كهذه ـ هي ذات طابع أخلاقي ـ على وجه الخصوص ، فهي تنحصر أوّلا في تربية من لا عقل له ، وترويضه ، ثم في إجراءات للحماية ، ذات فاعلية أكثر بحيث تمنع عودة الأحداث المسببة للضرر (١).
فهذه المدرسة تستبعد بصورة منهجية كلّ مسئولية قانونية غير مباشرة ، سواء أكانت ناشئة عن فعل تلقائي ، لكائنات غير مسئولة ، (كالأطفال ، والمجانين ، والحيوانات) ، ما دمنا لم نحرضهم على القيام به أم عن فعل الغير ، حتّى لو كنّا رغبنا إليه أن يفعله ، دون أن نكرهه عليه.
ومهما تكن نتيجة هذا النّقاش الثّانوي ، فإنّه يكفي ـ لكي نكشف عن عنصر موضوعي في المسئولية المدنية ، في الشّريعة الإسلامية ـ أن نلاحظ أنّ الإنسان البالغ السّوي (الطّبيب مثلا) مسئول ماليا عن الضّرر الّذي يحدثه مباشرة بوساطة نشاطه الإرادي ، بشرط أن يكون مقصودا ، على أنّه لا يتحمل من أجل هذا ، لا تعزيرا إنسانيا ، ولا عقابا إلهيا. ولا شك أنّ المسئولية الأخلاقية ليست مستبعدة هنا تماما ، فإنّ الأهمال هو فعلا نقص في الأنتباه ، وينبغي أن يعتد خطأ ، أو نصف
__________________
(١) عولجت هذه المسألة في المحلى في موضعين ، أحدهما : عند الحديث عن القتل الخطأ ، والضّمان في : ١٠ / ٤١٦ وما بعدها ، والآخر : في ج : ١١ / ٧ ـ ٨ ، قال ابن حزم ، «والقول عندنا في هذا أنّ الحيوان ، أي حيوان كان ، إذا أضر في إفساد الزّرع ، أو الثّمار فإنّ صاحبه يؤدب بالسوط ، ويسجن إن أهمله ، فإنّ ثقفه فقد أدى ما عليه ، وإن عاد إلى إهماله بيع عليه ولا بد ، أو ذبح وبيع لحمه ، أي ذلك كان أعود عليه ، أنفذ عليه ذلك» ، فقد شملت الإجراءات على هذا النّحو الأطراف الثّلاثة : الإنسان الّذي وقع به الضّرر ، والآخر مالك الحيوان ، والحيوان أخيرا ، ومع ذلك فقد روعني جانب مالك الحيوان من حيث توفير أقصى النّفع عند إتخاذ إجراءات التّأديب والحماية ، بعيدا عن روح الأنتقام. «المعرب».