خطأ.
كيف نفسر من وجه آخر ـ الكفارات الّتي أمر بها القرآن في حالة القتل اللاإرادي ، أعني القتل الخطأ؟ (١).
إنّ المسلم الّذي كان سببا غير متعمد في هلاك أخ له ـ يجب أن يعتق أخا آخر
__________________
(١) لا ريب أننا نستطيع أن نفترض عند هذا الحدّ ، وهذا الحدّ فقط ـ حالات يخطىء فيها القاتل طبيعة هدفه ، على الرّغم من كلّ الأحتياطات ، والجهود الّتي يستخدمها لتمييزه ، وفي هذه الحالات ، الّتي لا يفسر فيها الخطأ بالأهمال ، لا يبقى في وسعنا أن نعتبر الجزاء كفارة خطأ ، جسيم أو ضئيل ، وحينئذ ، نعتقد أنّ من الممكن تفسيره على أنّه إحتياط يستهدف المستقبل بدلا من أن نعطفه نحو الماضي.
والخطأ منبع للشر ، ولا ينبغي للشر أن ينتصر ، والخطأ يولد في المجال الأخلاقي الرّذيلة ، كما يؤدي في المجال العقلي إلى التّزييف ، والرّذيلة ، والتّزييف هما النّقيصتان اللّتان تدنسان النّفس ، وتقللان طاقتها وطهارتها.
ولا ريب أنّ الخطأ حين يحدث لا يوجد شيء يمكن أن يفعل ضده ، وعند ما لا يكون قد حدث بعد فلا شىء يمكن أن يفعل لاستباقه ، وخاصة حين نفترض أننا فعلنا كلّ ممكن إنسانيا لتفاديه ، وإذن ، فليس إقتدارنا على الصّراع ضد الخطأ من حيث كونه حدثا قد تم فعلا ، أو واقعا تأريخيا عرضيا ، ولكنا إذا ظللنا ساكتين في مواجهة الشّر الّذي يحدثه الخطأ ، فإنّ الشّر سوف يعيد نفسه ، ويتمادى ، ثمّ هو بفضل العادة قد يوقظ فينا ميولا سيئة ، كانت حتّى ذلك الحين نائمة. وهكذا يمكن أن يتحول العمل الّذي تم من قبل على أساس من الغفلة ، ليصبح عملا حرا وإراديا. وإذن ، فإذا كان للخطأ واقعه ، فإنّ له كذلك غايته ، فلم يوجد الخطأ من أجل أن يفرض نفسه علينا فرضا إستبداديا ، ثم يحملنا نتائجه المقدورة ، وإنّما وجد كيما يحرك فضولنا العقلي ، وطاقتنا الأخلاقية ، حتّى نتجنب آثاره السّيئة. وإذا كنّا لا نستطيع أن ننفي الخطأ في ذاته ، فإنّ لدينا مع ذلك الوسائل الّتي نحتاط بها من الإتجاهات الشّريرة الّتي يعمل على خلقها ، وكذلك من تكرار الغلطة على نحو كثير ، وهو أمر قد يحدث في غيبة أي فعل مضاد.
إنّ رد فعلنا سوف يكون مؤثرا بقدر ما يتمثل في أفعال إرادية قادرة على أن تلمس حساسيتنا ، وأن تثبت في ذاكرتنا ، وأن تحرك من جديد همنا الأخلاقي ، وليس فيما يبدو من ندم عابر ، أو إتهام رفيق بأنفسنا. وتلكم هي الحسنات الّتي ننتظرها من تضحية نرتضيها بحرية على إثر غلطة لم نتعمدها ، في الحالات المحددة.