ومن هنا أيضا كان للجزاء ثلاثة ميادين ، سوف ندرسها في هذا الفصل : الجزاء الأخلاقي ، والجزاء القانوني ، والجزاء الإلهي.
١ ـ الجزاء الأخلاقي :
كثيرا ما يتساءل المرء عما إذا كان هناك (جزاء أخلاقي) ، أو عن إمكان وجود مثل هذا الجزاء ، أليس هذان اللفظان متنافرين تماما؟ .. أليس إنكارا لطبيعة القانون الأخلاقي المنزهة على الأطلاق ـ أن نفترح للنشاط الإنساني غاية أخرى ، غير أداء الواجب لذاته؟.
في رأينا ، أنّ الإعتراض يقوم على نوع من الخلط المؤسف بين علم الأخلاق ، والنّزعة الأخلاقية ، بين مقتضى العدالة في ذاتها ، والأهداف الّتي تنشدها الإرادة : وهما أمران متمايزان تماما ، دون أن يتوازيا بالضرورة. ولسنا نرى في الواقع أية إحالة في أن يكون لقانون معين جزاء صارم دون أن يدعونا أن نتخذ من جزاءاته حافزا لجهدنا ، والقانون الفيزيولوجي (العضوي) يقدم لنا مثالا على هذه الحقيقة : أليس جزاء الظّروف الصّحية الّتي أعيش فيها ـ موجودا آليا في الصّحة ، والمرض اللذين تسببهما ، حتّى عند ما لا أفكر قط في هذه النّتائج؟ .. فلما ذا يكون الأمر على خلاف ذلك في القانون الأخلاقي؟ .. سوف تقول لي : إنّه يحرّم عليك أن توجه نظرك إلى شيء آخر غير أمره المهيب ـ ليكن!! ولكن ذلك لا يمنع أنّه يستطيع ، بل ويجب ، أن يحفظني من النّتائج المختلفة ، المنوعة التّطبيق ، حسب ما إذا كنت ألتزمه على تقوى ، أو أرفض الخضوع له في نزق ، وطيش.