وإليك البرهان المقنع الّذي روّجوا له ضد هذه الإحتمالات ، من أجل نفيها نهائيا من الميدان الأخلاقي ، فإنّ هذه الحالات لا تتنوع بصورة ملحوظة من إنسان لآخر فحسب ، بل إنّها قد تختفي إختفاء كاملا في بعض حالات الفسق ، فهي ليست إذن نتائج ضرورية للخضوع للواجب ، أو لمخالفته ، ومن ثمّ استنتجوا إستحالة الجزاء الأخلاقي بالمعنى الصّحيح.
ولكن ، هل نحن متفقون على معنى الكلمات؟. إذا كان المراد بعبارة (القانون الأخلاقي) ـ هو الواجب في ذاته ، القانون الموضوعي الّذي يفرض على جميع النّاس ، مستقلا عن حالات ضميرهم ، فمن الحقّ أنّ قانونا كهذا يمكن أن يوجد ، دون أن يؤدي في جميع الأنفس إلى هذه الحالات من الشّعور بالراحة ، أو الألم ، من الفرح ، أو النّدم. غير أنّ إلغاء هذه الحالات الخاصة لا يؤدي إلى القضاء على جميع الحالات الدّاخلية الّتي يثيرها أداء الواجب ، أو انتهاكه. ولسوف نرى قريبا أنّ كلّ سلوك ، حسنا كان ، أو سيئا ، ينشىء حالة داخلية تتناسب معه ، وتكون عامة ، وضرورية.
فأمّا إذا كان المقصود بكلمة (قانون) : قاعدة يعرفها ويحس بها الإنسان ، قانونا يتصل بمعارفنا ، ومشاعرنا ، فمن الواضح أنّه بعد أن يباشر عمله لا يمكن لفكرة الواجب أن تظهر مرة أخرى على مسرح الضّمير ، دون أن تحدث فيه أصداء ، تختلف في درجة عمقها : تعبر عن الرّضا في حالة النّجاح ، وعن الألم في حالة الفشل. وإذا حدث على سبيل الإفتراض أنّ الإنسان الّذي فسدت أخلاقه لم يستشعر شيئا من هذا ، وإذا كان قد فقد معنى الخير ، والشّر تماما ، فما ذا يمكن أن يقال سوى أنّ القانون لا يوجد بالنسبة إليه؟. وهكذا يمضي اللفظان معا