وإنّا لنتساءل ، هل خلق الإنسان من أجل القانون ، أو أنّ القانون هو الّذي خلق من أجل الإنسان؟ وقد يجاب عن ذلك تارة بالرأي الأوّل ، وتارة بالرأي الثّاني. وفي رأينا أنّ كلا الرّأيين يعبر عن جانب من الحقيقة ، ونحن نصادف ، هذه القولة ، أو تلك في القرآن ، فالله سبحانه يعلن من ناحية : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١).
ويؤكد من ناحية أخرى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢) و (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) (٣) و (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) (٤) و (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) (٥).
فلنقرب ما بين هذين القولين ، بحقيقتهما النّسبية ، ولسوف نحصل على الحقيقة المطلقة ، فالإنسان وجد من أجل تنفيذ الشّرع (الّذي هو عبادة الله) ولمّا كان الشّرع قد وجد من أجل الإنسان ، إذن فالإنسان قد وجد من أجل نفسه. والشّرع غاية ، ولكنه ليس الغاية الأخيرة ، إنّه ليس سوى حدّ وسط بين الإنسان ، كما هو ، ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقية ، ومصارعا من أجل كماله ، وبين الإنسان كما ينبغي أن يكون ، في قبضة الفضيلة الكاملة. أي : أنّه حدّ وسط بين الإنسان العادي ، والقديس ، بين الجندي ، والبطل.
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) المائدة : ٦.
(٣) الإسراء : ١٥.
(٤) العنكبوت : ٦.
(٥) فاطر : ١٨.