ولكن ، في أي صورة ما تمثلت التّوبة ، بالمعنى المركب الّذي صورناها به ، فإنّها لا تنشىء سوى جزاء إصلاحي ، يتطلبه منا الشّرع ، أفلا يوجد أيضا جزاء أخلاقي ثوابي ، يمارسه فينا تلقائيا ، على إثر الموقف الّذي نتخذه منه.
بلى ؛ وهو سابق على الجزاء التّكليفي الّذي لا يفرضه علينا إلّا لكي يوقف أثر هذا الجزاء العاجل ، فإمّا ألّا يكون للتكليف الأخلاقي معنى ، أو يكون لممارسة الفضيلة ، وهجر الرّذيلة بعض الأثر الواقعي ، ـ الشّعوري ، أو اللاشعوري ـ ، لصالحنا ، أو ضد صالحنا ؛ وبغير ذلك يصبح خضوعنا للشرع عملا بلا جدوى ، أمرا من سيد مستبد ، يدفعنا إلى أن نعمل من أجل الإستمتاع فقط بأنّه يدفعنا إلى العمل. ولو كان الأثر المؤجل لطريقتنا في الحياة ينتهي إلى أن يمس حساسيتنا ، برفق ، أو بقسوة ، دون أن يغير ملكاتنا العليا تغييرا عميقا ، فإنّ ذلك يكون أشبه بحال صاحب العمل ، الّذي يشغل ألف عامل ، ثمّ لا يدفع إلّا لأقلهم ذكاء!! كلا .. فإنّ هذا الأمر الدّاخلي الّذي لا يقاوم ، والّذي يريد أن يسخر كلّ شيء فينا ـ لطاعته : جسدا ، وروحا ، وملكات بالإدراك ، والتّسليم ، وقدرة على القيادة ، والتّنفيذ ، والّذي يريد أن ينظم كلّ شيء ، وأن يهدي كلّ شيء بطريقة معينة ، دون أخرى ـ هذا الأمر ـ إذا لم يكن مجرد نزوة ـ فيجب أن يستهدف أكبر خير في وجودنا بأكمله ، وأن يكون شرطا فيه.
__________________
ـ استغفروني». «المعرب».
وانظر ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٢٧ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٤٠٨ ، فيض القدير : ٣٥١ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٢٩٠ ح ٧٦٧٢ ، مسند أحمد : ٣ / ٢٩ ح ١١٢٥٥ ، مسند أبي يعلى : ٢ / ٥٣٠ ح ١٣٩٩ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٣٠٩ ح ٢٥٠٠ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ١٩٩ ح ١٩٩.