فالمرتبة الأولى ، تتكفل بمجازاة عدد قليل من الجرائم (١) ، هي (الحرابة) والسّرقة ، وشرب الخمر ، والزّنا ، والقذف ، أمّا الجرائم الأخرى فتتبع المرتبة الثّانية.
وليس أهم ما يميز الطّائفة الأولى ـ أنّ العقوبة فيها محددة تحديدا دقيقا ، كيفا ، وكما. ولكنها فضلا عن ذلك ـ ذات صبغة مطلقة ، وهي بهذا المعنى لا يتوقف تطبيقها ، لا على حالة المذنب ، (ذي سوابق ، أو لا ، قابلا للإصلاح ، أو غير قابل ، يخيف النّاس ، أو لا يخيفهم) ، ولا على مشاعر الضّحايا.
صحيح أنّ لهؤلاء الحقّ في ألا يلاحقوا المجرم أمام القضاء ، سواء بأن يعفوا عن عمله العدواني عفوا تاما ، أو بأن يصطلحوا متراضين معه ، وحينئذ لا يكون للجزاء الشّرعي مجال. ولكن متى صارت الجريمة عامة ، أعني متى أتصلت بعلم السّلطة المختصة ـ فإنّ أصحاب الحقّ يكونون بذلك قد تنازلوا عن حقهم ،
__________________
(١) ألا ينتمي القتل العمد إلى نفس المجموعة؟ يقول أكثر الفقهاء : لا ، وحجتهم في ذلك أنّ حقّ أولياء القتيل يغلب هنا على الحقّ الجماعي ، وحتّى لو كانت القضية قد قدمت للقضاء فإنّ عفو هؤلاء الأولياء عن القاتل يكفي لسحب القضية من يدي السّلطة العامة الّتي لن يكون لها حينئذ أن تدعي شيئا ضد المعتدي. أمّا المالكية فتذهب إلى عكس ذلك ، مستندة إلى بعض الأحاديث ، الّتي كانت موضع جدل ، وهي تقرر أنّ عفو أسرة الميت يكفي لتخفيف العقوبة ، لا لالغائها ، والمجرم في هذه الحالة سوف يعفى من عقوبة الموت ، ولكن لا ينبغي أن يمضي مطلقا بلا عقاب ، ويرون من الخير أن يجلد مئة جلدة ، ويقضي عاما في السّجن ، أو التّغريب ، وذلك لتقليل فرصة عودته إلى الجريمة ، وفي الوقت ذاته لتقليل الأثر المصاحب المعدي لهذا المثل السّيىء.
ولنذكر مع ذلك أنّ هذا الخلاف لا موضع له إلّا في حالة القتل العادي ، الّذي يحدث في مشاجرة ، مثلا ، أمّا حالات القتل البشعة ، أو المتعمدة ، مثل : الإغتيال ، أو القتل غدرا ، والإيقاع في كمين .. إلخ. فإنّ كلّ المذاهب مجمعة على أنّ عفو الأفراد قاصر مطلقا في هذا الصّدد ، وأنّ من الواجب تطبيق عقوبة الأعدام على القاتل.