النّهاية إلى شقائه الأخلاقي شرا ماديا على جانب من القساوة كبير؟ ...
ومع ذلك فهناك من يفعلون ذلك قصدا ، وهم على بصيرة من الأمر ، هناك من يجيئون يطلبون عقابهم ، كيما يشبعوا حاجة طاهرة إلى التّوبة ، ويتحملون في ثبات أشد الآلام فظاعة ، دون أن يجدوا في ذلك شقاء ، بل إنّهم يستشعرون فيه سعادة عميقة ، وشافية ، ويرونه وسيلة إلى أن يتخلصوا نهائيا من دنسهم الأخلاقي.
إننا نتخذ تجاه هؤلاء ـ على العكس ـ موقفا فيه الكثير من التّعاطف معهم ، ونستشعر إعجابا عميقا بلمحتهم البطولية.
بل إنّ الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، على الرّغم من أنّه تباطأ ـ إبتداء ـ في تقبل إعتراف ماعز ، لم يكتف ـ إنتهاء ـ بالنزول على إلحاحه ، ولكنه أكبر شجاعته ، وعرف لرجوعه إلى الله قيمته العليا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «لقد تاب توبة لو قسمت على أمّة لوسعتها» (١) ، وأثنى كذلك على ما قاسته المرأة الجهينية فقال : «لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لو سعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله ..؟» (٢).
__________________
(١) انظر صحيح مسلم : ٣ / ١٣٢٢ ، معتصر المختصر : ١ / ١٠٦ ، فتح الباري : ١٢ / ١٣٠ ، عون المعبود : ١٢ / ٢٩ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٥٦ ح ١٤٥٤ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ٢٦٨ ، سنن البيهقي الكبرى : ٦ / ٨٣ ح ١١٢٣١ ، سنن الدّارقطني : ٣ / ٩١ ، سنن أبي داود : ٤ / ١٣٤ ح ٤٣٧٩ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٩٩ ح ٢٧٢٨٣ ، المعجم الكبير : ١١ / ٣٦٩ ح ١٢١١١.
(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٢٣ ح ١٦٩٥ و ١٦٩٦ ، المنتقى لابن الجارود : ١ / ٢٠٧ ح ٨١٥ ، صحيح ابن حبان : ١٠ / ٢٥١ و ٢٨٩ ح ٤٤٤١ و ٤٤٤٢ ، موارد الظّمآن : ١ / ٣٦٣ ح ١٥١٢ ، سنن التّرمذي : ـ