وإذن فليس لنا أن نلوم الشّرع ، بل إنّه الفرد ، في نهاية الأمر ، الّذي ربما يعد قاسيا ، أو متهاونا في حقّ نفسه.
فإذا ما نحينا جانبا تلك الجرائم ، والجنايات الّتي أتينا على ذكرها فإنّ ما تبقى من مخالفات للقانون الأخلاقي ، أو القانون الإجتماعي يستوجب عقوبة تأديبية متنوعة ، ولكن الشّريعة الإسلامية لم تقدم لهذه العقوبات التّأديبية جدولا يختلف بإختلافها ، ولم تحرص على تقديمه.
ولا ريب أنّ عقوبتي الموت ، والقطع ـ من حيث الشّعور العام ـ مستبعدتان من الجزاء التّأديبي ، فالأولى خاصة بالقتلة ، والزّناة ، والثّانية خاصة بالسرقة وقطاع الطّرق ، بيد أنّه فيما خلا هذا التّحديد السّلبي ليس هناك أي تحديد إيجابي للإجراء الّذي يتخذ بالنسبة إلى كلّ حالة نوعية ، ولا بالنسبة إلى كلّ حالة خاصة.
فعلى حين أنّه بالنسبة إلى الجزاء المحدد (أو إقامة الحدود) تكون مهمة العدالة محددة تحديدا دقيقا ، بإثبات الوقائع ، الّتي متى أتضحت تستدعي بصورة ما ـ عقوباتها تلقائيا ، فإنّ إهتمام المحكمة هنا يتجه بعد ذلك إلى مرحلة ثانية ليست بأقل أهمية : هي إختيار العقوبة الّتي ينبغي تطبيقها ، وفي هذا الإختيار سوف يتحرك ذكاء القاضي ، وفطنته ـ في الظّاهر ـ حركة بالغة الحرية ، ولكن هذه الحرية في الواقع ليست سوى مرادف للمسئولية الثّقيلة. إذ لما كان هنالك إعتبارات مختلفة تجب مراعاتها ، وكان على عنصر النّسبية أن يتدخل فإنّ
__________________
ـ ٤ / ٤٢ ح ١٤٣٥ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٢٣٤ ح ٢٣٢٤ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ٢٥٢ ، بالإضافة إلى المصادر السّابقة.