ـ قد قصد أصلا بهذا «المسكن» شيئا آخر غير الأرض الموعودة وراء نهر الأردن ، بلد الكنعانيين ... إلخ ... ومع ذلك فهذا هو التّفسير الّذي تقدمه لنا الفقرة الأخرى : «سكناه تطلبون ، وإلى هناك تأتون ، وتقدمون إلى هناك محترقاتكم ، وذبائحكم ، وعشوركم ...» (١).
وهكذا لإنصادف منذ آدم حتّى موسى ، إلى آخر عهده ، أية إشارة في أي مكان ـ إلى حياة بعد الموت ، كأنّما لم يكن لعقيدة الحياة الأخرى مكان في أديانهم (٢).
ولكن لنقلب الصّفحات ، ولنصل بطفرة واحدة إلى «العهد الجديد» ، ولسوف نستمع هنا إلى نغمة جديدة كلّ الجدة ، هنا يحس المرء بشعور جلي بأنّه قد أنتقل من طرف إلى أقصى طرف مقابل له ، إنّ صلاتنا بالعالم الرّاهن بكلّ ما فيها من غنى ، وعظمة سوف تتقطع ، فهي بالنسبة إلينا قيود ينبغي أن نتحرر منها ، نظراتنا لا تعود مثبتة على الأرض ، بل إنّها دائما موجهة إلى السّماء ، لقد كان من قول يسوع المسيح لأحد المؤمنين الجدد : «إن أردت أن تكون كاملا فأذهب وبع أملاكك ، وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السّماء ، وتعالى أتبعني» (٣) ، وقال لتلاميذه : «فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون ، وما تشربون ، ولا تقلقوا ، فإنّ هذه كلّها تطلبها أمم العالم. وأما أنتم فأبوكم يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذه ، بل اطلبوا
__________________
(١) انظر ، التّثنية : ١٢ / ٥ ـ ٦.
(٢) هذا بخلاف ما يقوله لنا القرآن عنهم في سورة الشّعراء : ٨٧ (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ،) وفي الأعراف : ١٥٦ (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ.)
(٣) انظر ، إنجيل متى : ١٩ / ٢١ ، ومرقص : ١٠ / ٢١.