حين يكون غير مشروع ، لا ينبغي مطلقا أن يقلق مؤمنا حقا ، يمضي في حياته على مثل أعلى يتخذه قاعدة ، ونموذجا للسلوك ، وهو المثل الأعلى الّذي مضى عليه المؤمنون : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (١) ، (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢) ، فالمؤمن الحقّ ، متى دخل حظيرة الإيمان ، لا يعبأ إلّا بالأساس الّذي قام عليه إيمانه ، ومع ذلك فإلى أي مدى يمتد السّلطان الّذي يمارسه إعتبار الرّأي العام ـ على الإرادة الفردية ، والرّأي العام هو : ذلك الشّعور الّذي نجده حين نظن أنّ إخواننا قد يحسون نحونا بإحساس طيب ، أو ردىء ، وأننا سنكون موضع إعجابهم ، أو إحتقارهم؟ ..
إنّ من الواضح جدا أنّ هذه الإعتبارات لا تؤثر فينا تأثيرا فعالا إلّا حين نكون على إتصال بالمجتمع ، أو على الأقل حين يخيل إلينا أنّ سلوكنا ربما ينكشف له فيما بعد.
ولكن في حالة العزلة؟ ... عند ما لا يكون أحد هناك ، ولا يطلع أحد على سلوكنا قد يهون الأمر ، حين تنتهي المثل العليا الرّاسخة في قلوبنا بالتربية ـ إلى خلق عادات طيبة ، تمتد جذورها فينا إمتدادا عميقا فنؤدي واجباتنا اليومية بأمانة ، وإنبعاث ، دون أن نبالي بالناظرين.
لقد كان على (روبنسون كروزو) حين ألقي في جزيرته القاحلة أن يمتنع عن الشّرب ، تماما كما لو كان في وطنه ، ولكن لو حدث أن تعقد الموقف ، وهاج الشّر ،
__________________
(١) الأحزاب : ٣٩.
(٢) المائدة : ٥٤.