الكلام من كلا جانبيه بصبغة محايدة ، ومتحفظة. وهذا الأزدواج بدوره سوف يجد صداه في ازدواج المشاعر الّتي سوف يتقاسم بينها المخاطبون ، أو أنّه سوف يتمخض بالأحرى عن شعور مركب ، بين الحماس ، والرّهبة ، وعن خليط من الإحترام ، والإحتشام ، وما لا أدري أيضا.
ثالثا : موقف طائع من حيث المبدأ ، ولكن لما كان وجود بعض الظّروف الخاصة قد يقحم فيه بعض التّغييرات فإنّ النّغمة تبدأ في أن تصبح أكثر صرامة.
والحقّ أنّ موضوع التّفسير يبقى ثابتا لا يتغير ، فهو يحتفظ بالصيغة المجردة كما كان في المرحلة السّابقة ، ولكنا نرى عبارة التّكليف تلح بخاصة على جانب التّحريم ، كأنّما كان هنالك ملامح نزوع إلى نقض القاعدة. ومن الطّبيعي جد حينئذ أن يزداد وضوح التّنبيه الّذي يدعم القاعدة. وأن يغير معناه على الفور ، وألا تظل كمية الطّاقات الّتي يحتويها بنفس النّسبة الّتي كانت منذ قليل ، وأن يتغلب عنصر (المنع) منذئذ على عنصر (الدّفع) : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).
ومن هنا كان عدم التّناسب في المشاعر الموقطة ، الّتي يغلب عليها بلا شك شعور الحياء ، والواقع أنّ فكرة كوننا أمام الله لا يمكن أن تحتل عقولنا عند ما نتخيل بعض المشروعات الخبيثة ، إلّا إذا مارسنا ضد هذه الخبائث كبحا ، يتفاوت في درجة قوته ، وإذا سيطرت هذه الفكرة على عقولنا (أي فكرة مثولنا أمام الله) فإننا نخاف أن نرتكب أمرا ، مهما صغر ، يجعلنا نحمر خجلا أمام عظمة
__________________
(١) البقرة : ١٨١ و ٢٢٤ و ٢٢٧ و ٢٣١ و ٢٨٢ و ٢٨٣ ، آل عمران : ١٥٦ ، النّساء : ٩٤ و ١٣٥ و ١٤٨ وهود : ١١٢ ، النّحل : ٩١ ، الأحزاب : ١ و ٢ و ٥٢ ، الحجرات : ١. (ـ ٢ آ و ١٤ ب).