الله ، واقرأ في ذلك ما رواه ابن مسعود أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «استحيوا من الله حقّ الحياء ، قلنا : إنّا لنستحي من الله يا رسول الله ، والحمد لله ، قال : ليس ذلك ، ولكن الإستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرّأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدّنيا ، وآثر الآخرة على الأولى ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء» (١). فإذا أخطأ المرء ، أو ضعف فلأنّه ـ قطعا ـ قد غابت عنه في غمرة الحياة ولهوها تلك الفكر الهادية ، الّتي أدركت يوسف من قبل حين (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (٢). ولكن ذكر الله سرعان ما يخالط شغافنا ، ليثير فينا حاجة عارمة إلى أن نبكي على تلك الغفلة الشّائنة ، وبهذا وحده يسترد المرء مكانه في المجتمع الإلهي ، وصدق الله العظيم : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٣).
ولقد رأينا في هذه المراحل الثّلاث أنّ الأمر أمر تربية أخلاقية على أساس
__________________
(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٤ / ٦٣٧ ح ٢٤٥٨ ، وذكره ابن الدّيبع الشّيباني في تيسير الوصول : ٢ / ٢٣ ، نشر الشّيخ حامد الفقي (المعرب). وانظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٣٥٩ ح ٧٩١٥ ، كنز الفوائد للكراجكي : ٩٨ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٢٨٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٧ / ٧٧ ح ٣٤٣٢٠ ، المعجم الأوسط : ٧ / ٢٢٦ ح ٧٣٤٢ ، مسند أحمد : ١ / ٣٨٧ ح ٣٦٧١ ، المعجم الصّغير : ١ / ٢٩٨ ح ٤٩٤ ، مسند أبي يعلى : ٨ / ٤٦١ ح ٥٠٤٧ ، المعجم الكبير : ٣ / ٢١٩ ح ٣١٩٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٨٧ ح ٢٧٧.
(٢) يوسف : ٢٤.
(٣) آل عمران : ١٣٥ ـ ١٣٦.