والرّفعة ، وإنّما هو يتعمق أكثر ، حتّى يصل إلى أعمق ملكاتنا ، وأكثرها رقيا ، ليصبح بذلك مكملا ضروريا للجزاء الأخلاقي الحقّ.
والواقع أننا عند ما قلنا آنفا : إنّ الخير ينير النّفس ، ويزكي القلب ، ويقوي الإرادة الخيرة ، وإنّ الشّر يدنس ، ويعمي ، ويفسد ـ فقد كانت تلك إشارة إلى اتجاه ، أكثر منه واقعا ، وإلى نواة ، أكثر منها كائنا مصوّرا ، وإلى مرحلة أولى في تأريخ طويل ، وإلى حالة نشأت حافلة بإمكانات عديدة ، قابلة للإيقاف ، والتّحول ، للتقدم والنّكوص ، إلى ما لا نهاية. ولكي نضع هذه الحالة النّاشئة على إحدى الطّرق المفتوحة أمامها يلزمنا مبدأ فعال ، قادر على توجيهها في هذا الإتجاه أو ذاك.
وإذن .. فهاكم ذلكم المبدأ الفعال!!. إن خالق الفطرة ذاته هو الّذي أوجب على نفسه هنا أن يهدي هذه الفطرة إلى الغاية الّتي تتجه إليها.
فالله سبحانه سوف يرشد أولئك الّذين يعملون له ـ إلى الطّرق الّتي تهدي إليه : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (١) ، وسوف يهدي قلوب الّذين يؤمنون به : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (٢). وسوف يبدد ظلماتهم ، ويوصلهم إلى النّور : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٣).
وسوف يرشدهم إلى الطّريق المستقيمة : (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٤).
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩ (ـ ١ آ).
(٢) التّغابن : ١١ (ـ ١ آ).
(٣) البقرة : ٢٥٧ ، المائدة : ٦ ، الأحزاب : ٤٣ ، الطّلاق : ١١ (ـ ٤ ب).
(٤) النّساء : ٦٨ و ١٧٥ ، المائدة : ١٦ ، يونس : ١٠ ، الحجّ : ٥٤ (ـ ١ آ و ٤ ب).