منهاجه ، فإذا حضرتني خاطرة تتصل بما كنت آنذاك حريصا على تحصيله ، وأيضا على التّظاهر به أمامه ، وهو ثقافتي الفرنسية ـ علوت بصوتي ، أسأل الاستاذ ، وهو يبتسم في سمت وقور ، ثم يجيب ، ويناقش ، مدركا ما كنت أرمي إليه من تعارف أتمنى أن تتوثق عراه ، وليس كالثقافة المشتركة عاملا من عوامل التّقريب بين النّاس.
كنت في ذلك الحين أعرف قدر أستاذي ، وأدرك خطر مكانته ، رغم تواضعه الجم ، وسماحته السّخية ، ورغم أننا أفترقنا منذ ذلك التّأريخ ، فارقته شخصا ، ولم أفارقه فكرا ، ولا روحا ، حيث عشت محنة عام كامل ، ثم لم نلتق حتّى كانت وفاته في السّادس من يناير (١٩٥٨ م).
لم أكن أتصور أنّ هذه العلاقة سوف تستبد بي فيما بعد ، لأعكف ثلاث سنوات ، أو تزيد ، أستخرج خلالها أثمن ما ترك من تراث ، وأخلد ما أبدع من فكر ، رسالته عن (دستور الأخلاق في القرآن) ، وهي الّتي قدمت نسختها الفرنسية إلى المطبعة عام (١٩٤٨ م) ، ثم لم تظهر ترجمتها العربية إلا بعد ربع قرن من ذلك التّأريخ ، وبعد أن لحقّ المؤلف ، رضوان الله عليه ، في الرّفيق الأعلى ، بأكثر من خمسة عشر عاما.
كيف ظلت هذه الرّسالة دون تعريب حتّى الآن ، على جلالها ، والدّنيا كلّها تعرف بوجودها ، والمعربون بحمد الله كثرة كثيرة ، وفيهم من قرأها ودرسها؟!
سؤال لا جواب له إلا بإنّها إرادة الله ، الّتي أدخرت هذا العمل ، لتتصل به علاقة شاء الله لها أن تتنامى بالغيب ، على تنائي طرفيها ، أو أطرافها جميعا.
والكتاب كما هو في الفرنسية [La Morale Du Coran] ، أي : (أخلاق القرآن) ،