وقد كنت على أن يصدر بنفس العنوان ، إلتّزاما بحرفية التّرجمة ، لو لا أنّ الاستاذ المؤلف كان قد أختار ترجمة أخرى تتفق مع تقديره لغاية عمله ، فذكر في هامش كتابه (١) : (دستور الأخلاق في القرآن) ، فكان أن أخذت بما أختار دون تغيير.
والحقّ أنّ المؤلف ـ فيما أرى ـ لم يكن يكتب هذا العمل على أنّه مجرد وسيلة إلى هدف ، هو نيل إجازة دكتوراه الدّولة في الفلسفة من السّوربون ، فقد كان بوسعه أن يحقق هدفه بأقل مما بذل من جهد ، ولكنه كان يحمل في ضميره رسالة هذا الدّين ، الدّاعية إلى السّلام ، في فترة كانت أوروبا خلالها ، بل العالم كلّه من حوله ، كتلة ملتهبة من الصّراع ، والدّمار ، وأسوأ ما قاد أوروبا والعالم معها إلى ذلك المصير المحزن هو بلا شك الخراب الأخلاقي الّذي ران على وجوه الحياة السّياسية ، والإجتماعية ، والفردية ، لدرجة لم يستطع معها رباط المسيحية بين الدّول المتحاربة أن يزعها عن التّحارب ، أو التّخارب ، إن صح التّعبير. ولم يكن الحلفاء في مواجهة هتلر ، والنّازية بأحسن حالا من الوجهة الأخلاقية ، فإنهيار فرنسا أمام الزّحف النّازي في يوم وليلة إنّما كان إنهيارا أخلاقيا في جوهره ، كما لاحظ ذلك بحقّ المارشال بيتا [Petain] ، رئيس الجمهورية الفرنسية إبّان الإحتلال ، في رسالته الّتي وجهها إلى ضمير الأمّة الفرنسية صبيحة الهزيمة ، أو عشيتها.
والتّغير العقائدي الّذي سيطر على دول أوروبا باسم العلمانية ، أو المادية ، أو
__________________
(١) انظر ، النّبأ العظيم : ٧ ، طبع سنة ١٩٧٠ م. وهو إحالة إلى هذه الرّسالة ، وأطلق عليها.