الكبرى.
ولنلاحظ أوّلا أنّ هذا المفهم عن الجزاء الأخروي ، وهو مفهوم مادي جزئيا ، ليس إسلامي النّوع ، فهو يعتبر عنصرا مشتركا بين جميع الأخلاق الدّينية ، الّتي تعترف للناس بحياة أخرى ، سوف يجتمع فيها البدن ، والرّوح من جديد ، بعد أن يكونا قد إنفصلا مؤقتا بالموت ، يجتمعان ليتلقيا معا ثوابا خالدا ، أو عقابا أبديا.
ولا ريب أنّ هذه هي حال الأخلاق المسيحية ، فلقد أجمع الآباء ، وفقهاء الكنيسة على أن يعلموا عقيدة بعث الجسد ، وعقيدة إشتراكه مع الرّوح في الجزاء (١) ، وهما عقيدتان قائمتان على أساس متين من تعليم السّيد المسيح والدّعاة ، فقد قال يسوع لحوارييه : «لا تخافوا من الّذين يقتلون الجسد ، ولكن النّفس لا يقدرون أن يقتلوها ، بل خافوا بالحريّ من الّذي يقدر أن يهلك النّفس والجسد كليهما في جهنم» (٢). وقال أيضا : «يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر ، وفاعلي الإثمّ ، ويطرحونهم في أتون النّار ، هناك يكون البكاء ، وصرير الأسنان» (٣).
وكثيرا ما صورت جهنم على أنّها : «النّار الّتي لا تطفأ ، حيث دودهم لا يموت ، والنّار لا تطفأ» (٤) ، ويصرح الغني الخبيث الّذي كان يلبس الأرجوان ، والبزّ مترفها ، ولم يكن يعطي المسكين لعازر حتّى مات جوعا ، يصرخ وهو في
__________________
(١) انظر ، ١ ـ A. Boulanger : Doctrine catholique ١ ere part. p. ١٣٢ ـ ٣٣٢
(٢) انظر ، إنجيل متى : ١٠ / ٢٨.
(٣) انظر ، إنجيل متى : ١٣ / ٤٣.
(٤) انظر ، إنجيل مرقص : ٩ / ٤٣ ـ ٤٨ نفس العبارة مكررة.