إدراكهما على نحو بالغ.
ولكن إذا كان العالم الّذي وعدنا به عالما جديدا على وجه الإطلاق ، لا يرى ، ولا يمسّ ، ولا مثال له في عالمنا الحاضر ، فأي سلطان سيكون له علينا؟ .. وأي اضطراب سوف يلقى حينئذ في أذهاننا؟ أنكون إذن بحيث يتعرف بعضنا على بعض ، ونحس بنفس القدر من البساطة أنّه لم تمض سوى ساعة بين الموت ، والبعث؟ (١) ... ثمّ تجربتنا الرّاهنة لجميع الملذات ، والآلام ، البدنية ، والأخلاقية ، أتصلح بحسبانها شيئا ذا قيمة كبيرة؟ .. ألا يتمثل سبب وجودها ، في جانب كبير منه ، في أنّها تعرفنا بأوليات هذه الحياة الجديدة ، وتقدمها إلينا على سبيل الإيجاز ، والتّشويق؟
إنّي لأعرف التّأويل الّذي أمكن أن يوضع لكلمات المسيح ، إنّهم ، لكي يتقوا هجمات العقليين ، وهم في الوقت نفسه يسلمون نصا بما أعد للمعذبين من آلام بدنية بالغة القسوة ـ يريدون أن يعتبروا النّصوص الإنجيلية المتعلقة بالمائدة الطّيبة الّتي أعلنت للسعداء ـ من قبيل الرّموز ، على حين لا مجال هنا ، ولا أثر لأي مقارنة. فهذه النّصوص قد تناولها المسيحيون الأوائل تناولا حرفيا ، كما كان يفعل آباء الكنيسة السّريانية (٢) ، وكما يفعله حتّى الآن البروتستانت في القدس الجديدة (٣).
وإنّي لأعرف أيضا أنّ هذا التّأويل يمكن أن نواجهه عند نظرنا في النّصوص
__________________
(١) مصداقا لقوله تعالى في يونس : ٤٥ : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ.)
(٢) انظر ، ١ ـ T. Andrae. Mohammed, Sa vie et sa Doctrine p. ٧٨.
(٣) انظر ، ١ ـ Tassy ,les lois de Mohomet ,p.٢٣١.