هذا الإعداد للعمل. فبإعتبار أنّها «باعث» تصور فكرة الخير الأسمى حالة عقلية صرفة ، تستخدم في تسويغ العمل المعتزم ، وجعله معقولا ، وبيان مطابقته للقانون ، أو الشّرع.
بيد أننا حين نتجاوز هذه المرحلة العقلية نجد أنّ فكرة الهدف تتمثل لنا كقوة محركة تدفع نشاطنا ، وحين ننظر إليها من وجهة هذا التّأثير على الإرادة فإننا نطلق عليها اسم الدّافع [mobile].
ويمضي «كانت» إلى ما هو أبعد من ذلك في هذه التّفرقة ، حين يطلق كلمة [دافع mobile] إطلاقا نوعيا على الغايات الذاتية ، الصّادقة بالنسبة إلى الشّخص فحسب ، على حين يطلق [البواعث motifs] مرادا بها عنده الغايات الموضوعية ، الصّادقة بالنسبة إلى جميع الكائنات العاقلة (١).
وأيّا ما كان أمر هذه الألوان الدّلالية ، فإنّ نقطة إنطلاقنا في هذا الفصل هي التّفرقة الواضحة بين نوعين من مطالب الإرادة هما : الماهية [Le quoi] ، والسّبب [Lepourquoi].
فمن المسلم لدينا في الواقع أنّه في أي قرار عادي يتخذ بعد تأمل كاف ـ لا بد للإرادة من نظرتين : إحداهما تنصب على العمل ، والأخرى على الغاية. وهذه العين الغائية للإرادة قد تغض الطّرف ، ولكنها لا تكون مغلقة بصورة كاملة مطلقا ، ولقد يبتعد الموضوع الّذي تتأمله من مجال الشّعور الواضح ، ولكن لن يقلل ذلك من حقيقة حضوره فيما تحت الشّعور ، أو في اللاشعور ، وهو أكثر عمقا
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Kant, Fondement de la meta. des Moeurs, ٢ section, p. ٨٤١.