ويلاحظ عند قراءة بحوث الجريمة أنّها تؤكد دائما أنّ الإحصاءات الرّسمية ، أو السّجلات الخاصة بالمجرمين لا تمثل حجم المجتمع الأصلي لمرتكبي الجرائم فعلا ، فهناك الجرائم المجهولة ، أو غير المنظورة ، وهي الّتي لا تكشفها جهود رجال الشّرطة ، والضّبط ، أو الّتي لا يبلغ عن وقوعها ضحاياها.
ويقدم الدّكتور صلاح الدّين عبد المتعال في بحثه عن علاقة الجريمة بالتغير الإجتماعي ، مثالا على هذه الحقيقة في جرائم النّشل ، فإنّ نسبة المجني عليهم من الذين تكرر تعرضهم للنّشل قبل الواقعة الأخيرة ، ولم يبلغوا السّلطات عن هذه الحوادث السّابقة ـ بلغت (٧٥ خ) من مجموع من تكرر تعرضهم للنّشل.
وبعض الذين لا يبلغون السّلطات عن الجرائم الّتي ترتكب ضدهم ، يفضلون أن يبلغوا عنها أحد الأولياء ، أو القديسين ، فيرسل الواحد منهم إليه رسالة تتضمن شكواه من جان يعرفه ، أو لا يعرفه ، ويطلب منه في هذه الشّكوى أن يصدر حكمه العادل ، أو يرفع الظّلم ، أو يشترك مع أولياء آخرين في نظر القضية ، أو عقد هيئة المحكمة الباطنية (١).
ولقد نجد لدى بعض الكتاب ميلا إلى محاولة تسويغ إنتشار الجريمة ، أو (تبرير) وقوعها بأنّ هناك درجة من الإنحلال الإجتماعي ضرورية لإمداد المجتمع بالتغييرات الجديدة. ومعنى ذلك ضرورة وجود الجريمة كدافع إلى التّغيير المستمر ، وهي وجهة في النّظر مردودة ، لأنّ التّغيير ليس مرتبطا أرتباطا عضويا بوجود الجريمة ، وإلا لأعتبرنا المجرمين مصلحين إجتماعيين ، وبحسبنا
__________________
(١) انظر ، التّغير الإجتماعي في البلاد العربية وعلاقته بالجريمة للدّكتور صلاح الدّين عبد المتعال : ٢٧.