ومع ذلك فقد توجد بعض الواجبات الفردية ، وبتعبير أدق : بعض الشّعائر الدّينية ، تغاضى الفقهاء المسلمون بشأنها عن غيبة النّيّة ، وهو موقف عام لهم ، إن لم يكن إجماعا بينهم. ومثال ذلك حالة الإستبراء ، والتّطهر ، وسائر مقدمات الصّلاة ، فمن المعروف أنّ على كلّ مسلم إذا أراد أداء الصّلاة ـ أن يمر قبلها بنوع من مرحلة الإنتقال ، وهو الإنتقال من العالم الدّنس للحياة الأرضية ، إلى العالم المقدس للحياة الرّوحية ، فيجب أوّلا أن يزيل النّجاسات ، والوساخات من مكان عبادته ، كما يزيلها من بدنه ، وملابسه ، وهي الملابس الّتي ينبغي أن تكون ذات هيئة محتشمة. ويجب فضلا عن ذلك أن يقوم ، تبعا للحالة ، بتوضؤ جزئي (فيغسل الوجه ، واليدين ، والقدمين ، ويمسح شعره) ، أو بتوضؤ كلّي (بأن يغتسل إغتسالا كاملا). ويجب أخيرا أن يولي وجهه شطر الكّعبة (١).
وإذن ، فقد انعقد الإجماع تقريبا ، فيما يتعلق بالتوجه ، واللّباس ، والنّظافة الطّبيعية ـ على أنّه لا يلزم أن يكون أداؤها عن نيّة وإرادة ، أمّا فيما يتعلق بالنظافة الدّينية المحضة : (الوضوء ، والغسل) ، فقد اختلفت المذاهب : فعلى حين تشترط لها مذاهب أهل الحجاز ، ومصر (المالكية ، والشّافعية ، والحنابلة) ـ وجود النّيّة ، على أساس أنّها واجب بالنظر إلى الصّلاة ، يكتفي مذهب أهل العراق (الحنفي) بالواقع الموضوعي ، متى إلتزم في دقة ، حتّى لو كان عن غير نيّة (٢).
__________________
(١) أكد القرآن أنّها أقدم مكان للعبادة وجد على الأرض (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ،) آل عمران : ٩٦.
(٢) النّيّة : وهي القصد إلى الفعل بدافع الإطاعة ، وامتثال أمر الله تعالى ، وقد اتفقوا على أنّها فرض في ـ