وفي الحالة الثّالثة : كان العمل ، والنّيّة حاضرين ، ومتطابقين ، ـ وهي «الأخلاقية الكاملة» ، مع أفضلية النّيّة.
والحالة الّتي بقي علينا أن نبحثها هي مقابل الحالة الأولى ، وهي الّتي تكون فيها النّيّة الأخلاقية وحدها ، غير مترجمة إلى عمل ، ونتساءل إذا ما كان للنّيّة في هذه الحال أن تكتفي بنفسها ، أعني : إن كانت تستطيع أن تؤدي دور فعل أخلاقي متكامل.
ولنذكر أوّلا المعنيين اللّذين تنطوي عليهما كلمة «نيّة» [intention] ، وهما المعنيان اللّذان أهتم أخلاقيونا بالتمييز بينهما. فقد تعني هذه الكلمة أحيانا العزم الثّابت ، الّذي لا يتوقف إلّا أمام عقبة واقعية كؤود ، ولكن الغالب أن يقصد بها مشروع في مرحلة التّدبر ، والتّردد ؛ رغبة ، أو ميل (١).
ولا حاجة بنا أن نمضي إلى تقويم المعنى الثّاني ، فإنّ الإنسان المشدود إلى عاداته اللّينة ، والّذي لا يحاول تحطيم العقبات الّتي تعترض كلّ جهد جاد ، الإنسان الّذي يجعل من كلّ ما يقلق الرّاحة عائقا ـ هذا الإنسان لا حقّ له بداهة في أن يفيد من تعاطفه مع الأعمال الطّيبة كصفة أخلاقية حميدة ، أو كإعتذار
__________________
(١) ذكر المحاسبي في كتابه (الرّعاية لحقوق الله) تحقيق الدّكتور عبد الحليم محمود ، وطه عبد الباقي سرور أنّ النّيّة على وجهين : «أحدهما قد نويت أن تخلص ، وأن لا تريد بشيء مما تفعله إلّا الله وحده ، ونويت أن تقوم فتصلي ، وأن تصبح صائما ، وأن لا تعصي الله عزوجل ، وإن عرضت لك معصية تركتها من خوف الله عزوجل ، فتلك الإرادة الّتي هي نيّة لك هي نيّة الله عزوجل.
ومعنى آخر تريد ، أو تحبّ أن تكون مخلصا ، وأنت مضيع للإخلاص ، وتحبّ أن تكون صائما ، ومن نيّتك الإفطار ، وتحبّ أن تكون مصليا ، وأنت كسلان عنها ، أو مؤثر عليها الشّغل بالدّنيا ، وتحبّ أن تدع المعاصي من خوف الله عزوجل ، والنّفس لا تسخو بالتّوبة ، فتلك إرادة محبة منك للشيء». (المعرب).