مقبول عن ضعفه.
ولنستفد في هذه النّقطة من الطّريقة الّتي حكم بها القرآن على بعض المتخلفين عن الهجرة من مكّة ، فقد دعي هؤلاء إلى أن يتركوا بلدهم ، حيث كان العدو مسيطرا ، ويلحقوا بإخوانهم الّذين هاجروا إلى المدينة ، ولكنهم لم يستجيبوا للدعوة ، وظلوا على مقامهم بحجة أنّهم كانوا (مستضعفين في الأرض) ولكن القرآن يعقب على ذلك بقوله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (١) ، ثمّ يستثني منهم : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٢).
كما أنّ أحاديث النّفس ، والميل الطّبيعي الّذي يشعر به المرء تجاه لذة معينة ، حسية ، أو خيالية ، ليست أكثر حظا من النّيّة الحسنة البليدة ، فهي كلّها لا تنشيء بالنسبة إلينا عملا نحاسب عليه ، ما دامت الإرادة لم تعزم عليه ، والرّسول صلىاللهعليهوسلم يقول فيما رواه أبو هريرة : «إنّ الله تجاوز لي عن أمّتي ، ما وسوست به صدورها ، ما لم تعمل به ، أو تكلّم» (٣).
أمّا فيما يتعلق بالنّيّة ، بالمعنى الدّقيق للكلمة ، وهي الّتي لم تترجم إلى عمل لأنّ الأحداث خالفتها ، فليست المسألة أن نعرف إن كانت لها وحدها قيمة
__________________
(١) النّساء : ٩٧.
(٢) النّساء : ٩٨ ـ ٩٩.
(٣) انظر ، صحيح البخاري : ٦ / ٢٤٥٤ ح ٦٢٨٧ ، وفي الأصل اختلاف عن هذا قال : (تجاوز لأمّتي عمّا وسوست ... أو تتكلم) ـ المعرب. انظر ، تفسير القرطبي : ٨ / ٢١١ ، سنن البيهقي الكبرى : ٢ / ٣٤٩ ح ٣٦٨٥ ، المعجم الأوسط : ٤ / ٧٤ ح ٣٦٤٨ ، شعب الإيمان : ١ / ٢٩٩ ح ٣٣١ ، فتح الباري : ١١ / ٥٥٢.