الواقع مشتق من جذرين امتزجا معا بصورة ما :
أوّلهما : ناء بالحمل ، أي نهض به.
وثانيهما : نأى ، أي ذهب بعيدا (١).
فإذا تذكرنا الأصل المزدوج لهذا المصطلح فإنّه يعني إذن نظرتين للحركة الإرادية ، تقعان في آن واحد على العمل الماثل ، الّذي يكلف به الإنسان ، وعلى غايته البعيدة الّتي يستهدفها.
ومع ذلك ، فلا حاجة بنا إلى أن نتمسك بهذه الإشارة الضّمنية ، ولنفترض أنّ هذه القولة تقصد بخاصة إلى الجزء الأوّل ، ولا سيما في جانبه السّلبي ، ولكن لنقرأ بعد ذلك بقية النّص ، ولسوف نرى فيه المعنى الثّاني ، يستخرج ، ويتحرّك كلّما اطرّد الخطاب ، وأصبح محسوسا شيئا فشيئا ، يقول الرّسول صلىاللهعليهوسلم : «وإنّما لكلّ امرىء ما نوى» (٢) (في حال عمله) ، ثمّ يختم الحديث بهذه الجملة الثّالثة والأخيرة : «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن
__________________
(١) يريد المؤلف أنّ مادة الفعلين واحدة ، هي (ن ـ ء ـ ا) ، وإن اختلف التّرتيب في الأوّل عن الثّاني ، وهو ما عرف لدى الإشتقاقيين باسم (الإشتقاق الكبير) ، ويعنون به أنّ بعض المجموعات الثّلاثية ترتبط ببعض المعاني ارتباطا غير مقيد بترتيب أصواتها ، وهي فكرة صادقة في بعض الأصول ، دون أن تصدق في كلّ أصل ، وقد ضرب ابن جني مثلا على ذلك بمجموعة (الجيم ، والباء ، والرّاء) وهي مهما اختلف ترتيبها تعبر عن القوة ، والشّدة ... إلى آخر ما قال ، وشركه في الرّأي أبو منصور الثّعالبي صاحب «فقه اللّغة». انظر ، من أسرار اللّغة : ٤٩ ، وما بعدها للاستاذ الدّكتور إبراهيم أنيس. «المعرب». انظر ، مختار الصّحاح : ١ / ٢٨٤ ، لسان العرب : ٣ / ٤٩٣ ، النّهاية : ٥ / ١٢٢.
(٢) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٣ ح ١ و : ٢ / ٨٩٤ ح ٢٣٩٠ و : ٦ / ٢٥٥١ ح ٦٥٥٣ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٢٨١ ، سنن البيهقي الكبرى : ١ / ٢٩٨ ح ١٣٢١ ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، فتح الباري : ١ / ٨.