كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (١).
ومن الواضح أنّ هذا الدّور العظيم لمبدأ التّقدير الأخلاقي ما كان له أن يتعين إلّا بنّيّة حقيقية ، أصولية ، منبثقة من المنبع العميق في أنفسنا ، فلم تكن لتعينه بضعة أفكار سطحية ، ناشئة عن تكلف لغة باطنية ، أو منطوقة.
فهذه النّيّة الزّائفة قد تستر إلى حين الإنطلاقة الواقعية لدوافعنا ، ولكنها لا تبلغ قط أن تغيرها.
وعند ما أعمل ، في الحرب ، تحت سلطان الكراهية ، وبروح الثّأر ، لا يفيدني في شيء أن أبعد تفكيري عن هذا الهدف بأن أقول لنفسي : سوف أدافع لا عن مصلحتي ، بل عن حقيقة مقدسة. فنحن لا نلغي وجود العالم بإغلاق أعيننا كيلا نرى شيئا ، وسد آذاننا كيلا نسمع شيئا. وليس بوسعنا أن نتملك الفضيلة بمجرد تفكيرنا فيها ، أو حتّى نطقنا باسمها ، فالرجل العاقل لا يرى في هذه الشّكلية سوى ستار جد رقيق لا تلبث أن تنكشف وراءه الحقيقة.
لسنا ننكر في بعض الحالات صعوبة تبين الدّوافع الخفية لأعمالنا. ولسنا نذهب إلى حدّ تأييد «كانت» فيما ذهب إليه من الإستحالة المطلقة لاستكناهها (٢) ، فهذه الفكرة على ما لاحظه [دلبوس Delbos] (٣) تبدو لدى
__________________
(١) المراجع السّابقة.
(٢) انظر ، ١ ـ Kant.Fondement.Meta ,٢ Section ,٢ alinea.,
(٣) فيكتور دلبوس ـ فيلسوف فرنسي (ولد في فيجاك عام ١٨٦٢ م ، وتوفي في باريس عام ١٩١٦ م) ، كان استاذا في السّوربون ، وقد كتب جملة من المؤلفات ، منها : ١ ـ Le probleme moral dans la philosophie de Spinoza et dans l\'histoire du spinozisme.