الشّريعة.
فإذا قلبنا الصّفحة لنرى ما يكون من الجرائم بمقياس الشّريعة وحدها ، مما يبيحه القانون ، ولا يجرّمه ، وجدنا أنّ الحياة حين خلت من تحكم الضّمير في سلوك الفرد ، قد طفحت بالكثير من الجرائم الدّينية ، (الصّغائر ، والكبائر) ، فنوادي القمار ، ومهاجع الغانيات الّتي يغمض فيها القانون ، بإعتبارها علاقات تقوم على التّراضي ، بل كلّ ما قام على التّراضي من هذا النّوع من العلاقات ، وإنحرافات السّلوك في الطّرقات ، وإهمال الفرد لما فرض عليه الدّين ، والتّصرفات المرذولة ، كالكذّب ، والّنميمة ، والغيبة ، كلّ ذلك وغيره هو في عرف الشّريعة جرائم أخلاقية ، تعتبر جزءا من المشكلة الّتي تعاني منها الأمّة الإسلامية.
وإنّا لنستطيع تتبع أمثلة الفوضى الأخلاقية على سائر درجات السّلم الإجتماعي من أدناها ، عند مستوى التّسول ، إلى أعلاها عند أي مستوى ، حتّى ليكاد المرء يستسلم لليأس عند ما يفكر في إحتمالات الإصلاح.
ولقد شهدت بلادنا ، كما شهدت بقاع كثيرة من الوطن العربي ثورات إصلاحية ، ذات طابع إشتراكي ، وكانت الجماهير تؤمل أن تجد فيها حلولا لمشكلاتها الّتي عانت منها في ظل الأوضاع السّابقة على الثّورة.
ولكن العجيب أنّ المشكلات قد ازدادت ، وتنوعت ، وتفشت ، حتّى لم تترك قطاعا من قطاعات المجتمع إلا غطته ، وفاضت في داخل القطاعات موجات من القلق ، واليأس ، تضمنت الكثير من مظاهر النّقد الشّعبي ، المتمثل في النّكت اللاذعة ، تنفيسا عن حقد مكتوم ، أو خوف مكبوت.