هذا على الرّغم من أنّ الثّورة حققت للطبقات الدّنيا بخاصة ، وللشعب كلّه إجمالا ـ مكاسب لا يستهان بها ، في ميادين الإصلاح الزّراعي ، والتّصنيع ، وتفتيت الملكيات الكبيرة ، وتأمين مصائر النّاس في حالات العجز ، والمرض ، والشّيخوخة ، وتلك كلّها أعمال مجيدة ، وخطوات ضرورية على الطّرق السّوية ، طرق التّغيير البنائي للمجتمع.
ولكن ، قد ندهش إذا ما علمنا أنّ هذه الخطوات ذاتها هي الّتي أعقبت ما نئن منه من فوضى أخلاقية ، ذكرنا بعض أمثلتها من واقع دراسات مركز البحوث الجنائية ، ذلك أنّ الثّورة قد ركزت جهودها في الجانب المادي فقط ، دون غيره من جوانب الحياة الإنسانية ، وهو مسلك جميع الثّورات الّتي استلهمت التّفسير الإقتصادي لحركة التّأريخ ، «وليس بالخبز وحده يحيى الإنسان».
حقا ، لقد كانت الإندفاعة الثّورية من أجل تحديد الملكية ، ومن أجل تأميم المصالح الأجنبية ، ومن أجل بناء المشاريع الحيوية ـ جارفة ، بحيث عصفت بكلّ عقبة مادية ، أو بشرية ، وجدت ، أو توهمت أنّها تعارض ما تريد من خير الشّعب. وهذا كلّه وفاء منها بمقتضيات الإيديولوجية المادية الّتي تحكم حركتها.
أمّا المشروعات ذات الطّابع الأخلاقي ، والحضاري فقد أنشئت لها إدارات ومؤسسات ، يتولاها الأكاديميون ، والبيروقراطيون ، الذين اندمجوا في تنظيمات الثّورة ، بعقيدة ، أو بمصلحة ، وكانت نتيجة هذا التّفاوت في ثورية المشروعات ، والمخططات ، أن سارت بعض الخطوات بجدية ، واندفاع ،