وإصرار على حين بقيت خطوات أخرى على طريقة (محلك سر) ، لا يستأخر أولياؤها خطوة ، ولا يستقدمون (١).
لقد شبع كثيرون ، وملأوا البطون ، ولكن القلوب فارغة ، والأرواح صدئة ، والضّمائر خاوية ، ولقد يستقيم أناس في هذه الحالة لأنّ الإستقامة فيهم فطرة ، والقناعة خليقة ، ولكن الكثرة السّاحقة من النّاس لا تعرف الإعتدال ، أو الموازنة بين مطالب المعدة ، ومطالب القلب ، فقد عودتهم الثّورة أن يأخذوا دائما ما يريدون ، لا أن يتحملوا ما يواجهون ؛ فإذا ما حدثت أزمة تموينية مثلا ، قرقرت البطون المأزومة ، وجمحت الطّباع الشّرهة ، فلم تجد لجاما من ضمير يقظ ، أو خلق ثوري ، لأنّ جهاز الأخلاق معطل غالبا في ماكينة الثّورة ، فكان ما يكون دائما من اتجاه إلى ملئها بأي ثمن ، وبأية طريقة. لا تهم الأخلاق ، ولا القيم ، ولا المبادىء ، فهذه كلّها مصطلحات لا تشغل فراغا ، ولا تشبع جائعا ، ولا تثري مفلسا!!
ويجب أن نذكر هنا أنّ الأزمات الّتموينية ليست بجديدة على المجتمعات المكافحة ، ولقد شهد المجتمع الإسلامي على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أزمة قاسية ، عرفت في التّأريخ باسم (عام المجاعة) ، وكان أوّل من تحمل قسوة الجوع أمير المؤمنين نفسه. ولكأنّي أشهده الآن وهو يعتلي درج المنبر ، وإذا به يسمع أنين بطنه ، صوت قرقرة الجوع ، ويسمع النّاس همهمة عمر ، وهو يخاطب هذا البطن الخاوي قائلا : «قرقر ، أو لا تقرقر ، فو الله لن تأتدم السّمن
__________________
(١) أقتباسا من الآية ٣٤ من سورة الأعراف : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.)