حتّى يخصب المسلمون» (١).
لم يكن عمر وحده في هذا الموقف ، بل كانت الأمّة كلّها تواجهه بشجاعة ، وصبر ، ومعالجة ، حتّى أنجلت الأزمة ، واستغنى النّاس عن ربط الحجارة على البطون ، ولم يسجل التّأريخ حالة تذمر واحدة ، أو حتّى نكتة واحدة تشنع بسياسة الدّولة ، أو شكوى واحدة من إختفاء الخبز ، أو الإدام ، بل إنّ النّاس لم يزدادوا مع الأزمة إلا استمساكا بأخلاقهم ، وحرصا على أداء واجباتهم ، وصبرا في البأساء ، والضّراء وحين البأس.
ولقد أوقف عمر رضي الله عنه ، فيما يذكر التّأريخ ، تطبيق حدّ السّرقة آنذاك (٢) ، ترفقا بالمضطرين إليها من أجل الإبقاء على حياتهم ، ومع ذلك لم يذكر التّأريخ أنّ الجائعين تحولوا إلى لصوص ، أو أنّ القادرين أصبحوا مستغلين ، أو محتكرين ، فقد كانت أخلاق الجماعة الإسلامية أقوى من قرص الجوع ، وأمنع من أن تزلزلها أزمة تموينية.
في هذا الضّوء الرّباني نستطيع أن تقرر حاجة مجتمعنا العربي إلى ثورة أخلاقية تدعم الثّورة الإشتراكية ، وتعالج ما أحدثت من مشكلات إجتماعية ، نتيجة عدم التّوازن في حركة الإصلاح الّذي تم حتّى الآن.
__________________
(١) هكذا ورد القول : (عن أسلم عن أبيه قال : أصاب النّاس سنة غلا فيها السّمن ، وكان عمر يأكل الزّيت فيقرقر بطنه فيقول : قرقر ما شئت فو الله لا تأكل السّمن حتّى يأكله النّاس). انظر ، السنن الكبرى للبيهقي : ٩ / ٤٢ ، الزّهد لابن أبي عاصم : ١ / ١٢٠.
(٢) لا قطع في عام المجاعة ، ولا قطع في عام السّنة ، ولم يفصلوا. انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ١٠ / ٢٤٢ ح ١٨٩٩٠ ، المحلى : ١١ / ٣٤٣ ، تلخيص الحبير : ٤ / ٧٠ ، الخلاف : ٥ / ٤٣٢.