إنّ أكبر خطأ وقع فيه دعاة الثّورة الإشتراكية في الوطن العربي أنّهم تصوروا الثّورة وصفة طبية ، تقتبس من أصحابها ، ليتعاطاها المجتمع المريض في أي زمان ، ومكان ؛ فإذا بكثير من الثّوريين المتفلسفين يعكفون على إستملاء التّجارب ، والأدوية من الكتابات ، والمؤلفات الجاهزة ، وتدور المطابع ، وتكثر الكتابات الثّورية ، حافلة بالتنفخ ، والإدعاء ، ولو جاز تطبيق حدّ السّرقة على اللّصوص ، لكان أوّل من يحق عليهم حدها أولئك السّرقة الكاتبون ، المقتبسون ، دون تمييز ، الآكلون أفكار النّاس بالخطف ، والتّقليد!!
والحقّ أنّ الإصلاح الثّوري نبات لا بد أن يتفجر من باطن الأرض المخصبة ، ومن أعماق الفرد القلق ، المتطلع إلى الثّورة ، ثم لا بد لهذا النّبات من يد حكيمة ترعاه ، وتمهد له ، ثم لا بد له أيضا من مناخ ملائم ، وبيئة سخية ، تغذوه حتّى يستغلظ ، ويستوي على سوقه (١).
فقد تلقى البذرة في أرض سبخة فلا تؤتي ثمرة ، وقد تكون البذرة لنبات قطبي ، لا حاجة به إلى الشّمس ، فإذا الأرض أنشقت عن وريقاته ، ولسعتها الشّمس ، أحترقت وهي لما تزال وليدة. وقد تكون حياة النّبتة متوقفة على الشّعاع الدّافق ، والهواء المتجدد ، فإذا حرمت منها ذبلت وأصفرت ، ثمّ ماتت ضحية (الأنيميا) والإختناق.
ولقد كان مجتمعنا مثقلا بحمل الثّورة ، متطلعا إلى رؤية جنينها ساعة يولد ، فلما تخلق الجنين ، وأكتمل ، وخرج إلى الدّنيا أمتدت الأيدي تحجب الضّوء عن
__________________
(١) أقتباسا من الآية ٢٩ من سورة الفتح (فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.)