عينيه ، وتحرمه من الهواء الطّلق ، وهما طاقته ، وحياته ، فإذا بالمولود أعشى يتخبط في الضّوء ، ضيق الأنفاس من فساد الهواء.
لسنا هنا في مجال الرّمز ، وإن بدا حديثنا رمزا إلى أمور جرت على الأرض العربية ، فقد تصور بعض القائمين بالإصلاح أنّ القيود الأخلاقية عبء على الإجراءات الثّورية ، وأنّ إطلاق النّزوات الفردية في صورة الفنون المبتذلة طريق إلى الإنفتاح على العالم ، وإلى استجلاب السّياح ، ورؤوس الأموال ، والعملات الصّعبة ، وإلى الظّهور أوّلا وأخيرا بمقاومة الجمود ، والرّجعية!! ..
وربما كان الدّافع أصلا إلى هذه الإتجاهات إحساس القائمين بالثورة أنّ هذه الفنون لا تمثل وجهة نظر مخيفة إلى السّلطة ، وليس أصحابها منافسين لهم في مطلب الحكم ، لأنّهم ليسوا معسكرا إيديولوجيا ، إلى جانب أنّهم يعتبرون أداة مثلى لإمتصاص التّيارات ، والأهتمامات المناهضة بإلهاء الجماهير ، ودغدغة فراغها ، بعكس أصحاب الإتجاهات العقائدية ، والأخلاقية.
وهكذا شهدت الحياة العربية توسعا كبيرا في إنشاء الملاهي ، والمسارح ، ودور السّينما ، كما شهدت إسرافا كبيرا في إنشاء معاهد الرّقص ، والموسيقى ، والّتمثيل ، للصغار ، والكبار ، وطفت على سطح المجتمع نماذج من الفنانين ، والفنانات ، صاروا محور الأخبار الصّحفية ، وجندت وسائل الإعلام لتضخيم وجودهم ، وتتبع أخبار زواجهم ، وطلاقهم ، وسكرهم ، وعربدتهم ، وهم الذين قادوا الشّباب إلى التّقليد الأعمى ، وإلى التّحلل في السّلوك ، فكانت جماعات (الخنافس) في المدارس ، والمصانع من الظّواهر النّاشئة عن الفراغ الأخلاقي ، ومن الثّمرات الّتي أهدتها الفنون المبتذلة إلى الحياة الإسلامية في الوطن العربي.