الثّواب ، فيقول : «الحقيقة ألا يراد بالعمل إلّا وجه الله تعالى ، وهو إشارة إلى إخلاص الصّديقين ، وهو الإخلاص المطلق ، فأمّا من يعمل لرجاء الجنّة ، وخوف النّار فهو مخلص ، بالإضافة إلى الحظوظ العاجلة. وإلّا فهو في طلب حظ البطن ، والفرج ، وإنّما المطلوب الحقّ لذوي الألباب وجه الله تعالى فقط» (١).
إنّ البحث عن السّعادة المقبلة ليس سوى حالة خاصة المفهوم أكثر عموما ، هو السّعي إلى غايات ذاتية ، وصفناها بأنّها مشروعة ، ولكنها مبتذلة ، وقلنا : إنّ الشّرط في هذا التّقدير (الوسط) ألا تكون الإرادة مدفوعة إلى الموضوع المراد ، مستقلة عن الشّرع ، بل بناء على موافقة ضمنية على الأقل بأنّ تتابع السّعي في هذا الموضوع ، بهذا العمل ، أو ذاك.
ولنضف هنا شرطا آخر يظل خفيا بعض الشّيء ، وغير محدد بصورة كافية. فلكي نستحق هذا التّقدير (الوسط) يجب كذلك أن يكون التّأثير الّذي يمارسه القانون الأخلاقي على هذه الإرادة النّفعية ذا طابع (مقيّد ، ومحدّد) لا أكثر ومعنى هذا : أنّه يمنعها من أن تمضي إلى ما وراء الغاية المقصودة ، ولكنه لا يقدم لها أي سبب صالح لتشجيعها على العمل ، وإلّا فإنّ الإرادة تسترد اعتبارها ، كما ينظر إلى النّيّة على أنّها حسنة من النّاحية الأخلاقية.
والواقع أنّه ما دامت الإرادة لا تمسك من الموضوع المراد سوى كونه مباحا ، فكيف يتسنى لها أن تتجه نحو هذا الموضوع ، بله أن تتجه إلى عكسه (الّذي هو أيضا مباح ـ افتراضا) ، لو لم تكن مدفوعة بأشياء خارج الشّرع ، كالميل ،
__________________
(١) انظر ، إحياء علوم الدّين للغزالي : ٤ / ٣٦٩.