وقد جرى العرب بإعتماد الأخلاق اليهودية على أنّها (شريعة الخوف) ، والأخلاق المسيحية على أنّها (شريعة الحبّ). ولكن مؤلفا ـ فيما نعلم ـ لم يحاول حتّى الآن أن يستخلص ـ على هذا النّسق من الأفكار ـ العنصر الغالب على الأخلاق الإسلاميّة ، فها نحن أولاء قد أوردناه من حديث مؤسس هذه الأخلاق ـ ذاته ، وهو ما يفسر ، مرة أخرى ، الفكرة المركزية لهذه الدّراسة ، أعني : أنّ النّظرية الإسلاميّة تجمع مختلف المبادىء اللازمة للحياة الأخلاقية في تركيب منسجم ، بحيث تجعلها جميعا تتجه نحو الوسط العادل.
ولنعد إلى موضوعنا ، ولنفترض أنّ شعورا واضحا بالخوف ، أو بالرجاء يمكن أن يولد لدى المؤمن طاعة نفعية ، عن طريق توقع السّلام الموعود. فلسوف نقول إذن بأنّ ما تقوم به الإرادة لتحويل هذه الغاية الوجودية إلى غاية إرادية ، أي لتجعل منها دافعا للعمل ـ هذا التّحويل يخلق بلا شك علاقة جديرة ، أو مسافة معينة بين وجهة نظر المشرع ، ووجهة نظر الذات.
ولما كانت هذه المسافة لا يمكن تجنبها تقريبا ـ في الأنفس الضّعيفة ، فإنّها لا يمكن أن تنشىء جريمة أخلاقية ، وإنّما هي من قبيل اللّمم الّذي يغفره أي شرع عادل ، وإن كان يعريه من أيّة قيمة إيجابية.
ولقد رأينا كيف يعرف الغزالي «النّيّة الحسنة» ، بالمعنى الرّفيع للكلمة ، ثمّ هو يتحدث بعد ذلك عن هؤلاء الّذين يدفعهم إلى الطّاعة خوف العقاب ، أو إغراء
__________________
ـ عن النّعمان بن بشير ، مصباح الزّجاجة : ٤ / ٢٣٠ ، مسند أبي يعلى : ٦ / ٢٦٩ ح ٣٥٧٣ ، نوادر الأصول في أحاديث الرّسول : ٤ / ٤٥ ، الّتمهيد لابن عبد البر : ٩ / ٢٥٧ ، فيض القدير : ٢ / ٥٠٨ ، ميزان الإعتدال : ٨ / ١٨٢ ح ٦٤٩ ، تهذيب الكمال : ٩ / ٢٢٢ ، مستدرك الوسائل للنوري : ٨ / ٤٦٥.