وكما قال بعض الصّحابة : من حكم علي رضى الله عنه : «روحوا القلوب ، فإنّها إذا أكرهت عميت» (١) ، ومن أقوال أبي الدّرداء : «إنّي لأستحم نفسي بشيء من اللهو ، فيكون ذلك عونا لي على الحقّ» (٢).
لقد كانوا يرون أنّ من الخير أحيانا أن يريحوا أنفسهم ببعض اللهو ، حتّى يشحذوا أذهانهم ، ويستردوا طاقاتهم اللازمة لإستئناف النّشاط الأخلاقي بالمعنى الصّحيح.
من هذا كلّه تنبع نتيجتان واضحتان في الأخلاق الإسلاميّة.
الأولى : أنّ في هذه الأخلاق منطقة وسطى ، بين الحسن ، والقبيح.
والثّانية : أن تدخل النّيّة الحسنة يجعل الأعمال المباحة ، أو المسموح بها فقط ، أو حتّى الأعمال الّتي قلما ندب إليها الشّرع بعامة ـ يجعلها حسنة ، وجديرة بالثناء.
ولكن إذا كان الأمر كذلك فكيف نفسر هذه الصّرامة الّتي لجأ إليها أكثر الحكماء ، والنّساك في الإسلام ، ليحرموا على أتباعهم ، وأحيانا على أنفسهم ، أن يقبلوا على عمل من قبيل المباح فقط ، أو ينتفعوا برخصة ، وأن يتخلوا عن نزعاتهم حتّى ما كان منها أكثر اتصالا بالشرع ، أللهمّ إلّا في حالة الضّرورة القصوى ، الّتي يفرضها الحفاظ على الحياة؟ .. كيف نفسر هذا؟
__________________
(١) انظر ، المهذب البارع لابن فهد الحلي : ٣ / ١٧٣ ، شرح مئة كلمة للبحراني : ١٦٥ ، أدب الإملاء والإستملاء للسمعاني : ١ / ٦٨ ، عوالي اللئالي : ٣ / ٢٩٦ ح ٧٠ ، الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السّامع : ٢ / ١٢٩ ح ١٣٨٩.
(٢) انظر ، إحياء علوم الدّين : ٤ / ٣٦٤.