والواقع أنّ منهجهم يتطلب أن يستشير كلّ فرد هواه ، لا لكي يتبعه ، بل لكي يأخذ جانب المعارضة منه تماما (١) ، وهم يعلنون ضرورة أن يشغل المرء نفسه بواجب جوهري ، هو (الواجب) ، أو بواجب كمال هو (المندوب) ، وهم يرون صراحة أنّ الإنسان مكلف بأن يقف في مواجهة الأشياء المباحة : (المباحات) ـ تماما كما يقف من الأشياء المحرمات. أليس في هذا خلط لنظامين اهتمت النّظرية اهتماما كبيرا بالتفرقة بينهما؟ وهل من المستطاع أن نوفق بين هذا الرّأي ، وتعاليم القرآن ، والحديث؟
أمّا فيما يتعلق بطريقتهم في صوغ تلاميذهم فإنّ لنا إجابة نستقيها من تعاليم الشّيوخ أنفسهم ، فهذه الصّرامة في النّظام ، كما يقولون ، ليست إلّا نوعا من العلاج يجب أن يفرضه المنتسبون على أنفسهم في مرحلة انتقال ، تختلف طولا وقصرا ، وهي طريقة لتحطيم قوة الشّهوة الحسية في أنفسهم ، الّتي تعتبر أقدم النّزعات ، وأرسخها جذورا في الفطرة الإنسانية ، وبذلك يتم الّتمهيد لسيطرة العقل.
وكلّنا يعرف التّأثير المشئوم الّذي يحدثه في النّفس تعود التّساهل ، فلكي يتم استئصال هذه الرّذيلة من أنفس المبتدئين يجب أن يتعاطوا أوّلا دواء على هذا النّحو من القسوة. فهم يبرئون المتطرف بالنقيض المتطرف ، حتّى يعود المرء بعد ذلك إلى الوضع العادي ، ومتى ما انطرحت عن نفسه أثقال هذه القوى المناهضة للأخلاق سمح لها بإرخاء العنان لجوارحها شيئا فشيئا ، إذ كانت مطمئنة منذئذ
__________________
(١) انظر ـ الحكيم التّرمذي ـ كتاب الرّياضة : ٣٤٥ و ٣٤٨ من المجموع. (المعرب).