العادية ، ولا يلجأون من بعد إلى هذا التّكلف.
وإذا كنّا أحيانا نراهم في أثناء مرحلتهم النّهائية يمتنعون عن عمل مباح فلا ينبغي أن نرى بالضرورة في هذا الإمتناع حرمانا مفروضا ، أو تحريما إراديا لما يجيزه الشّرع ؛ وذلك لأنّ لدينا تفسيرين لتزكية سلوكهم : فإمّا أنّهم لم يشعروا بحاجتهم إلى استعماله ، فهم يختارون أحد النّقيضين المباحين على سواء ، وإمّا أنّهم لانشغالهم بمراقبة حركة القلب ، وتوجيهها إلى خير نيّة ممكنة ـ يسقطون العمل الّذي تحركهم إليه نيّة مبتذلة ، مؤثرين عليه عملا آخر ، لا يرتابون في قيمته الأخلاقية ، على ما ذكره الغزالي : «من حضرت له نيّة في مباح ولم تحضر في فضيلة فالمباح أولى ، وانتقلت الفضيلة إليه ، وصارت الفضيلة في حقّه نقيض ، لأنّ الأعمال بالنّيّات ، وذلك مثل العفو ، فإنّه أفضل من الإنتصار في الظّلم ، وربما تحضره نيّة في الإنتصار دون العفو فيكون ذلك أفضل» (١) ، أي أنّ إختيارهم قد يختلف من حالة إلى أخرى ، تبعا للجهة الّتي تملي عليهم بالفعل دافعا أرقى ، وهو موقف شريف ، ومعقول تماما ، حينما تكون هنالك فرصة العمل ، ولكنه لا يكون كذلك حين تقتضي الظّروف عملا سريعا ، لأنّه حينئذ يجب أن نميز بين واجبين أداء : أن نعمل ، وأن نكون على نيّة حسنة ، فإذا لم يبلغ المرء أن يحقق الثّانية ، فهل من سبب يدعوه إلى إهمال كلّ شيء؟ .. (٢).
__________________
(١) انظر ، إحياء علوم الدّين للغزالي : ٤ / ٣٦٤.
(٢) انظر ، المحاسبي ـ كتاب الرّعاية : ١٦٩ ، قال : إنّ إبليس «يدعوك إلى الحذر من الرّياء بترك العمل ، ولما لم تطعه في ترك العمل دعاك إلى الرّياء ليحبط عملك ، فلما لم تطعه ، ولم تجبه إلى ذلك حذرك الرّياء ـ